[فائدة]: وقع نزاع بين الشيخ أبي عمرو بن الصلاح، والشيخ أبي محمد بن عبد السلام -رحمهما الله تعالى- في أن هذا الطيب في الدنيا والآخرة، أم في الآخرة خاصة؟ فقال أبو محمد: في الآخرة خاصة؛ لتقييده في رواية مسلم بيوم القيامة.
وقال أبو عمرو: هو عامّ في الدنيا والآخرة، واستدل بأشياء كثيرة منها ما جاء في "صحيح ابن حبّان"، قال: باب في كون ذلك يوم القيامة، وباب في كونه في الدنيا، وروى في هذا الباب بإسناده الثابت أنه -صلى الله عليه وسلم-: "لخلوف فم الصائم حين يُخْلِف أطيب عند الله من ريح المسك"، وروى الإمام الحسن بن سفيان في "مسنده" عن جابر -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا … " قال: "وأما الثانية فإنهم يُمسون، وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك"، وروى هذا الحديث الإمامُ الحافظ أبو بكر السمعاني في "أماليه"، وقال: هو حديث حسن، فكل واحد من الحديثين مصرِّح بأنه في وقت وجود الخلوف في الدنيا يتحقق وصفه بكونه أطيب عند الله من ريح المسك، قال: وقد قال العلماء شرقًا وغربًا معنى ما ذكرته في تفسيره، قال الخطابي: طيبه عند الله رضاه به، وثناؤه عليه، وقال ابن عبد البر: معناه: أزكى عند الله تعالى وأقرب إليه، وأرفع عنده من ريح المسك، وقال البغوي في "شرح السنة": معناه الثناء على الصائم، والرضا بفعله، وكذا قال الإمام القدوري إمام الحنفية في الخلاف: معناه أفضل عند الله من الرائحة الطيبة، ومثله قال البوني من المالكية، وكذا قال الإمام أبو عثمان الصابونيّ، وأبو بكر السمعانيّ، وأبو حفص ابن الصفار الشافعيون في "أماليهم" وأبو بكر ابن العربي المالكي، وغيرهم، فهؤلاء أئمة المسلمين شرقًا وغربًا لم يذكروا سوى ما ذكرته ولم يذكر أحد منهم وجهاً بتخصيصه بالآخرة مع أن كتبهم جامعة للوجوه المشهورة والغريبة، ومع أن الرواية التي فيها ذكر يوم القيامة مشهورة في الصحيح بل جزموا بأنه عبارة عن الرضا، والقبول، ونحوهما مما هو ثابت في الدنيا والآخرة، وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء وفيهْ يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبًا لرضا الله