للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى، حيث يؤمر باجتنابها، واجتلاب الرائحة الطيبة، كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات، فخص يوم القيامة بالذكر في رواية لذلك كما خص في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)} [العاديات: ١١]، وأطلق في باقي الروايات نظرًا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين، كما سبق تقريره، هذا مختصر ما ذكر الشيخ أبو عمرو رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا يخفى كون ما ذهب إليه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هو الأرجحَ؛ لظهور حجته، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(وَللصَّائمِ فَرْحَتَانِ) جملة اسميّة من المبتدأ المؤخّر والخبر المقدّم؛ أي للذي قام بحقوق الصوم، فاداه بواجباته، ومستحباته مرّتان من الفَرَح عظيمتان: إحداهما في الدنيا، والأخرى في الأخرى.

وقوله: (يَفْرَحُهُمَا) جملة في محلّ رفع صفة و"فرحتان".

[تنبيه]: المراد بالصائم هو الذي أدّى حقّ الصوم، كما يشير إليه سياق هذا الحديث، قال العلّامة ابن القيّم رحمه الله في "كتابه "الوابل الصيّب": والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش، وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرَّفَث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يُفسِد صومه، فَيُخرِج كلامَه كله نافعًا صالحًا وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمّها من جالس حامل المسك كذلك، من جالس الصائم انتفع بمجالسته، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح: "من لم يَدَعْ قول الزور، والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يَدَع طعامه وشرابه وفي الحديث: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش" (٢). فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام،


(١) "المجموع شرح المهذّب" ١/ ٢٧٩.
(٢) هو حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر"، رواه ابن ماجه، واللفظ له، والنسائيّ، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاريّ.