وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، فتُصَيِّره بمنزلة من لم يصم. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.
وقوله:(اِذَا أفطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ) إشارة إلى الفرحة الأولى؛ يعني أنه يَفْرَح وقتَ إفطاره بالخروج عن عُهدة المأمور، أو بوجدان التوفيق لإتمام الصوم، أو بخلوص الصوم، وسلامته من المفسدات، من الرفث واللغو، أو بما يرجوه من حصول الثواب، أو بالأكل، والشرب بعد الجوع والعطش.
قال القرطبيّ رحمه الله: معناه يفرح بزوال جوعه وعطشه حيث أُبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعيّ، وهو السابق للفهم، وقيل: إن فَرَحَه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه، وخاتمة عبادته، وتخفيف من ربّه، ومعونة على مستقبل صومه.
قال الحافظ: ولا مانع من الحمل على ما هو أعمّ مما ذُكر، ففرح كلّ أحد بحسبه؛ لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحه مباحًا، وهو الطبيعيّ، ومنهم من يكون مستحبًّا، وهو من يكون سببه شيئًا مما ذُكر. انتهى، وهو تحقيقٌ حسنٌ.
وقوله:(وَءاِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ،) إشارة إلى الفرحة الثانية؛ يعني أنه يفرح وقت لقاء ربه، بنيل الجزاء، أو الفوز باللقاء، وقيل: هو السرور بقبول صومه، وترتّب الجزاء الوافر عليه، ولا تنافي بين المعاني، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢٧٠٦/ ٣٢ و ٢٧٠٧ و ٢٧٠٨ و ٢٧٠٩]( … )، و (البخاريّ) في "الصوم"(١٩٠٤)، و (النسائيّ) في "الصيام"(٤/ ١٦٣ و ١٦٦)