العظيم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في بيان اختلاف أهل العلم في المعنى المراد بقول الله تعالى: "الصوم لي، وأنا أجزي به"، مع أن الأعمال كلها لله تعالى، وهو الذي يَجزي بها:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك على أقوال، أوصلها الحافظ رحمه الله في "الفتح" إلى عشرة:
[أحدها]: أن الصوم لا يقع فيه الرياء؛ كما يقع في غيره، حكاه المازريّ، ونقله عياض عن أبي عُبيد، ولفظ أبي عُبيد في "غريبه": قد علمنا أن أعمال البرّ كلها لثه، وهو الذي يَجزي بها، فنرى -والله أعلم- أنه إنما خصّ الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القلب، ويؤئد هذا التأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس في الصيام رياء"، حدّثنيه شبابة، عن عُقيل، عن الزهريّ، فذكره -يعني مرسلًا-. قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم، فإنما هو بالنيّة التي تخفى عن الناس، هذا هو وجه الحديث عندي. انتهى.
وقد روى الحديثَ المذكورَ البيهقيُّ في "الشعب" من طريق عُقيل، وأورده من وجه آخر عن الزهريّ موصولًا، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، ولفظه:"الصيام لا رياء فيه، قال الله عز وجل: هو لي، وأنا أجزي به". وهذا لو صحّ لكان قاطعًا للنزاع. وقال القرطبيّ: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يَطَّلِعُ عليه بمجرّد فعله إلا الله، فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث:"يَدَع شهوته من أجلي".
وقال ابن الجوزيّ: جميع العبادات تظهر بفعلها، وقلّ أن يَسلَم ما يظهر من شَوْب، بخلاف الصوم، وارتضى هذا الجواب المازريّ، وقرّره القرطبيّ بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم، فإن حال الممسك شبعاً مثلُ حال الممسك تقرّبًا؛ يعني في الصورة الظاهرة.
قال الحافظ: معني قوله: "لا رياء في الصوم" أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم، ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله