الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقئة الأعمال، فإن الرياء قد يدخلها بمجرّد فعلها، وقد حاول بعض الأئمّة إلحاق شيء من العبادات البدنيّة بالصوم، فقال: إن الذكر بـ"لا إله إلا الله، يمكن أن لا يدخله الرياء؛ لأنه بحركة اللسان خاصّة، دون غيره من أعضاء الفم، فيمكن الذاكر أن يقولها بمحضر الناس، ولا يشعرون منه بذلك.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إن أراد قائل هذا القول إلحاق الذكر المذكور بالصوم من حيث عدم دخول الرياء، فمسلّم، دمان أراد إلحاقه به من حيث الثواب والجزاء، فليس بصحيح، فإن هذا مما لا مدخل للقياس فيه، فلا يلحق بالصوم في الثواب شيء من العبادات، بل يقتصر الوارد عليه، كما هو ظاهر النصّ. والله تعالى أعلم.
[ثانيها]: أن المراد بقوله: "وأنا أجزي به" أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه، وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات، فقد اطلع عليها بعض الناس.
قال القرطبيّ رحمه الله: معناه أن الأعمال قد كُشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام، فإن الله يُثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا السياق رواية الأعمش، عن أبي صالح، حيث قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله، قال الله: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به". أي أجازي عليه جزاء كثيرًا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: ١٠]. انتهى، و"الصابرون" الصائمون في أكثر الأقوال، وسبق إلى هذا أبو عُبيد في غريبه، فقال: بلغني عن ابن عُيينة أنه قال ذلك، استدلّ له بأن الصوم هو الصبر؛ لأن الصائم يصبر نفسَهُ عن الشهوات، وقد قال الله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. انتهى.
ويشهد له رواية المسيّب بن رافع، عن أبي صالح، عند سمويه: "إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، فإنه لا يدري أحد ما فيه".
ويشهد له أيضًا ما رواه ابن وهب في "جامعه" عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن جدّه زيد مرسلًا، ووصله الطبرانيّ، والبيهقيّ، في "الشعب" من طريق أخرى، عن عمر بن محمد، عن عبد الله بن دينار، عن