ابن عمر، مرفوعًا:"الأعمال عند الله سبع" الحديث. وفيه:"وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله"، ثم قال:"وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله إلا الله، فالصيام"، ثم قال القرطبيّ: هذا القول ظاهر الْحُسْن، قال: غير أنه تقدّم، ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام، وهي نصّ في إظهار التضعيف، فبَعُدَ هذا الجوابُ، بل بطل.
قال الحافظ: لا يلزم من الذي ذُكِرَ بطلانه، بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأما مقدار ثواب ذلك، فلا يعلمه إلا الله تعالى.
ويؤيده أيضًا العرف المستفاد من قوله:"أنا أجزي به "؛ لأن الكريم إذا قال: أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه.
(ثالثها): معنى قوله: "الصوم لي"؛ أي إنه أحبّ العبادات إليّ، والمقدم عندي، وقد تقدّم قول ابن عبد البرّ: كفى بقوله: "الصوم لي"، فضلًا للصيام على سائر العبادات، وروى النسائيّ وغيره من حديث أبي أمامة، مرفوعًا:"عليك بالصوم، فإنه لا مثل له "(١)، لكن يعكر على هذا الحديثُ الصحيحُ:"واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".
(رابعها): الإضافة إضافة تشريف، وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله، قال الزين ابن المنيّر: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.
(خامسها): أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الربّ جلّ جلاله، فلما تقرّب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه. وقال القرطبيّ: معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم، إلا الصيام، فإنه مناسب لصفة من صفات الحقّ، كانه يقول: إن الصائم يتقرّب إليّ بامر هو متعلّق بصفة من صفاتي.
(سادسها): أن المعنى كذلك، لكن بالنسبة إلى الملائكة؛ لأن ذلك من صفاتهم.