للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحتجّوا أيضًا بما رواه الترمذيّ، والنسائيّ، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، عن أم هانئ -رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الصائم المتطوّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر"، قال النوويّ في "شرح المهذّب": ألفاظ رواياتهم متقاربة المعنى، وإسنادها جيّد (١)، وقال الترمذيّ: في إسناده مقال.

ومن حجتهم حديث أم هانئ: أنها دخلت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهي صائمة، فدعا بشراب، فشرب، ثم ناولها، فشربت، ثم سألته عن ذلك، فقال: "أكنت تقضين يومًا من رمضان؟ قالت: لا، قال: "فلا بأس وفي رواية: "إن كان من قضاء، فصومي مكانه، وإن كان تطوعًا، فإن شئت فاقضه، وإن شئت فلا تقضه"، أخرجه أحمد، والترمذيّ، والنسائيّ، وفي إسناده هارون ابن ابنة أم هانئ، لا يعرف.

ويشهد له ما أخرجه البيهقيّ، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن ابن المنكدر، عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، قال: صنعتُ للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- طعامًا، فلما وُضع، قال رجل: أنا صائم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعاك أخوك، وتكلّف لك، أَفطِر، وصُمْ مكانه إن شئت". قال الحافظ: وإسناده حسن، وهو صريح في عدم وجوب القضاء.

وبما رواه البيهقيّ عن ابن مسعود، قال: "إذا أصبحت، وأنت ناوي الصوم، فأنت بخير النظرين، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت"، وبما رواه الدارقطنيّ، والبيهقيّ بإسناد صحيح عن جابر -رضي الله عنه- أنه لم يكن يرى بإفطار المتطوّع بأسًا، وروى الشافعيّ، والبيهقيّ بإسناد صحيح عن ابن عباس مثله.

وبهذا قالت الشافعيّة، والحنابلة، وقالوا: إذا دخل في صوم التطوّع استحبّ له إتمامه، وإذا أفطر بعذر، أو بغير عذر، فلا إثم عليه، ولا يجب عليه القضاء، لكن يكره له الفطر بدون عذر؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣].


(١) هذا ليس بجيّد، بل الصحيح ما قاله الترمذيّ من أن في إسناده مقالًا؛ لأن في إسناده جعدة المخزوميّ، قال فيه البخاريّ: فيه نظر، وضعفه ابن عديّ، وقد صحح الشيخ الألباني الحديث، انظر: "صحيح الجامع" ٢/ ٧١٧.