قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في الاستدلال بهذه الآية لهذه المسألة نظر لا يخفى؛ لأن هذا الفطر بإذن من الشارع، وما كان بإذنه ليس إبطالًا، وأيضًا إن الآية عامة، والأحاديث الدالة على جواز الفطر -كحديث الباب، وكحديث سلمان -رضي الله عنه- المذكور- خاصّة والخاصّ يقضي على العامّ، فتبصّر، والله تعالى وليّ التوفيق.
قالوا: وخروجًا من خلاف من أوجب الإتمام، وإذا أفطر بعذر فلا كراهة، وعلى كلّ فيستحبّ قضاؤه.
وذهب أبو حنيفة في ظاهر الرواية، ومالك إلى أنه يجب إتمام ما شَرَع فيه من نفل الصوم، ولا يجوز فطره بلا عذر؛ للآية المتقدمة، فإن أفطر بلا عذر أَثِمَ، وعليه القضاء، وإن أفطر بعذر فلا إثم عليه، ولا قضاء عند المالكية، وأوجبه الحنفيّة.
قال الحافظ: وأغرب ابن عبد البرّ، فنقل الإجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر.
واحتجّ من أوجب القضاء بما رَوَى الترمذيّ، والنسائيّ من طريق جعفر بن بُرقان، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كنت أنا، وحفصة صائمتين، فعَرَضَ لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبدرتني إليه حفصة، وكانت بنت أبيها، فقالت: يا رسول الله … فذكرت ذلك، فقال:"اقضيا يومًا آخر مكانه".
قال الترمذيّ: رواه ابن أبي حفصة، وصالح بن أبي الأخضر، عن الزهريّ مثل هذا، ورواه مالك، ومعمر، وزياد بن سعد، وابن عيينة، وغيرهم من الحفّاظ عن الزهريّ، عن عائشة مرسلًا، وهو أصحّ؛ لأن ابن جريج ذكر أنه سأل الزهريّ عنه، فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، ولكن سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة، فذكره، ثم أسنده كذلك. وقال النسائيّ: هذا خطأ، وقال ابن عيينة في روايته: سئل الزهريّ عنه، أهو عن عروة؟ فقال: لا، وقال الخلال: اتفق الثقات على إرساله، وشذّ من وصله، وتواردَ الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا.
وقد رواه من لا يوثق به عن مالك موصولًا، ذكره الدارقطني في "غرائب