مالك"، وبيّن مالك في روايته، فقال: إن صيامهما كان تطوعًا.
وله طريق آخر عن أبي داود، من طريق زُميل مولى عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين، فأفطرنا، ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا له: يا رسول الله، إنا أهديت لنا هدية، فاشتهيناها، فأفطرنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عليكما، صوما مكانه يومًا آخر"، وهو حديث ضعيف؛ لأن زميلًا مجهول، وقال البخاريّ: لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا ليزيد سماع من زميل، ولا تقوم به الحجة. قال في "الفتح": وضعّفه أحمد، والبخاريّ، والنسائيّ بجهالة حال زُميل (١).
وقال في "المرعاة": واحتجّوا أيضًا لذلك، ولتحريم الأكل من غير عذر بقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]، فإنه يعمّ الفرض والنفل، وبقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١]، وهذا قد عَقَد الصوم، فوجب أن يفي به، وبقوله تعالى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[الحج: ٣٠]، وبقوله تعالى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}[الحديد: ٢٧] الآيةُ سيقت في معرض ذمّهم على عدم رعاية ما التزموه من الْقُرَب التي لم تُكتب عليهم، والقدر المؤدَّى عَمَلٌ كذلك، فوجب صيانته عن الإبطال بهذين النصّين، فإذا أفطر وجب قضاؤه؛ تفاديًا؛ أي تبعّدًا عن الإبطال.
وأجيب بان هذه النصوص كلّها من الأدلّة العامّة، وقد تقرّر في موضعه أن الخاصّ يُقدّم على العامّ.
قال ابن الْمُنَيِّر: ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلّة العامّة، كقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٣] إلا أن الخاصّ يُقدَّم على العامّ، كحديث سلمان ونحوه.
وقال ابن عبد البرّ: من احتَجَّ في هذا بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثرين على أن المراد بذلك النهي عن الرياء؛ لأنه قال: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء، بل أخلصوها لله، وقال آخرون: