قلت: يا رسول الله، قال: خمساً، قلت: يا رسول الله، قال: سبعاً، قلت: يا رسول الله، قال: تسعاً، قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة".
واستَدَلّ به عياض على تقديم الوتر على جميع الأمور، قال الحافظ: وفيه نظر؛ لما في رواية مسلم من طريق أبي عياض، عن عبد الله بن عمرو: "صم يوماً -يعني من كل عشرة أيام- ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم يومين، ولك أجر ما بقي -إلى أن قال-: قال: صم صوم داود"، كما مرّ آنفاً.
قال: وهذا يقتضي أنه أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم بستة، ثم بتسعة، ثم باثني عشر، ثم بخمسة عشر، فالظاهر أنه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كل شهر، فلما قال: إنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أن وَصّله إلى خمسة عشر يوماً، فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكره الآخر.
قال: ويدلّ على ذلك رواية عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عند أبي داود: "فلم يزل يناقصني وأناقصه".
ووقع للنسائيّ في رواية محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة: "صُمْ الاثنين والخميس من كل جمعة"، وهو فرد من أفراد ما تقدم ذكره.
وقد استُشْكِل قوله: "صم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر ما بقي"، مع قوله: "صم من كل عشرة أيام يومين، ولك أجر ما بقي إلخ"؛ لأنه يقتضي الزيادة في العمل، والنقص من الأجر، وبذلك ترجم له النسائيّ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وأجيب بأن المراد: لك أجر ما بقي بالنسبة إلى التضعيف.
وقال عياض: قال بعضهم: معنى "صم يوماً، ولك أجر ما بقي" أي من العشرة، وقوله: "صم يومين، ولك أجر ما بقي"؛ أي من العشرين، وفي الثلاثة ما بقي من الشهر، وحَمَله على ذلك استبعاد كثرة العمل، وقلة الأجر.
وتعقبه عياض بأن الأجر إنما اتَّحَد في كل ذلك؛ لأنه كان نيَّته أن يصوم جميع الشهر، فلما منعه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك إبقاءً عليه لما ذُكِر بقي أجر نيته على حاله، سواء صام منه قليلاً أو كثيراً، كما تأوله في حديث: "نية المؤمن خير