وقوله: (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ") هكذا هو مكرّر ثلاث مرّات في بعض النسخ، وبعضها مرّتين، وهذا فيه دليل على تحريم صوم الأبد، وقد تقدّم أن هذا هو القول المختار، وأجاب الجمهور القائلون بجواز صوم الدهر بأجوبة:
(أحدها): أنه محمول على حقيقته، بأن يصوم معه العيدين، وأيام التشريق.
وفيه نظر؛ لأنه - رضي الله عنه - قد قال جواباً من ساله عن صوم الدهر:"لا صام، ولا أفطر"، وهو يؤذن بأنه ما أُجر، ولا أثم، ومن صام الأيام المحرّمة لا يقال فيه ذلك؛ لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرّمة يكون قد فعل مستحبًّا وحراماً.
وأيضاً فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل، وأيامِ الحيض، فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله:"لا صام، ولا أفطر" من لم يعلم تحريمها، كذا ذكره الحافظ في "الفتح"، وهو ملخّص كلام ابن القيّم في "الهدي"، وقد تقدّم نصّ كلامه.
وقد تَعَقَّب ابن دقيق العيد تأويل الجمهور هذا بوجه آخر، من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى "شرح العمدة"(١).
(الثافي): أنه محمول على من تضرّر به، أو فوّت به حقًّا، قالوا: ويؤيده أن النهي كان خطاباً لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم أنه عجز في آخر عمره، ونَدِم على كونه لم يقبل الرخصة، قالوا: فنهى ابن عمرو لعلمه بأنه سيعجز عنه، ويضعف، وأقرّ حمزة لعلمه بقدرته بلا ضرر.
وفيه أن هذا التأويل أيضاً مردود لما سبق من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه -: "ومن رغب عن سنتي، فليس مني"، ويردّه أيضاً قوله:"لا أفضل من ذلك".
وبردّه أيضاً ورود قوله:"لا صام، ولا أفطر" وقوله: "لا صام من صام