وَيحْتَمِل أن يكون الرجل كانت له عادة بصيام آخر الشهر، فلما سمع نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتقدّم أحد رمضان بصوم يوم أو يومين، ولم يبلغه الاستثناء ترك صيام ما كان اعتاده من ذلك، فأمره بقضائها؛ لتستمر محافظته على ما وَظَّف على نفسه من العبادة؛ لأن أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه كما تقدم.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن هذا الاحتمال هو أقرب الأجوبة، وحاصله أن ذلك الرجل كان معتاداً صيام آخر شعبان، فلما سمع نهي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن تقدّم رمضان بصوم يوم أو يومين ترك عادته؛ لكونه لم يسمع الاستثناء، فساله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: لم أصم، فأمره بقضاء ما تركه؛ محافظة على ما اعتاده، فتفطّن، والله تعالى أعلم بالصواب.
وقال ابن التين: يَحْتَمِل أن يكون هذا كلاماً جرى من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جواباً لكلام لم ينقل إلينا. انتهى. ولا يخفى ضعف هذا المأخذ.
وقال آخرون: فيه دليل على أن النهي عن تقدّم رمضان بيوم أو يومين إنما هو من يقصد به التحري لأجل رمضان، وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي، ولو لم يكن اعتاده، وهو خلاف ظاهر حديث النهي؛ لأنه لم يستثنِ منه إلا من كانت له عادة.
وأشار القرطبيّ إلى أن الحامل من حَمَل سرر الشهر على غير ظاهره، وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، وقال: الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك، وحمل الأمر على من له عادة؛ حملاً للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عمران بن حُصين - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.