للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان يطيقه وأكثر منه، وكان يواصل، ويقول: "إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربى يُطعمني ويسقيني".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ويؤيد هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الثانية: "ليت أن الله قَوّانا لذلك"، أو يقال: إنما قاله لحقوق نسائه، وغيرهنّ من المسلمين المتعلقين به، والقاصدين إليه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "وددت أني طُوِّقْتُ ذلك"؛ أي: أُقدرت عليه، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت عليه حقوق كثيرة لأهله مع كثرتهم، ولضيفانه، وأصحابه، وللناس خاصة وعامة، فكان يتوقع إن التزم ذلك أن يضعف عن تلك الوظائف أو بعضها؛ فيقع خلل في تلك الحقوق، فتمنى أن يقدر على ذلك مع الوفاء بتلك الحقوق، والله أعلم.

لا يقال: فقد كان قادراً على الوصال، وهو أشق، ولم يضعف عن القيام بشيء من تلك الحقوق؛ لأنا نقول: لم يكن وصاله دائماً، وإنما كان في وقت من الأوقات بخلاف ما تمنى، فإنه تمناه دائماً.

ويَحْتَمِل: أن هذا كان منه في أوقات مختلفة، ففي وقت كان يطيق فيواصل، وفي وقت يخاف الضعف فيتمنى حتى يحصل له الحظ الأوفر من قوله: "نية المؤمن خير من عمله" (٢)، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بعد ذلك الجواب على جهة التفضُّل والتبرع من غير السؤال ("ثَلَاثٌ) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما طرح التاء من "ثلاث"؛ اعتباراً لليالي، قال في "الكشّاف" عند قوله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]: قيل: "عشراً" ذهاباً إلى الليالي، والأيامُ داخلة معها، ولا تراهم يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام، تقول: "صمت عشراً"، ولو ذكَّرتَ لخرجت من كلامهم. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ٥٠.
(٢) رواه الطبرانيّ (٦/ ٢٢٨)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٥٥)، وتقدّم أنه حديث ضعيف.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٠٨.