للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وسبق بيان مثل هذا في تكفير الخطايا بالوضوء، وذكرنا هناك أنه إن لم تكن صغائر يُرْجَى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات. انتهى (١).

وقال المظهر -رَحِمَهُ اللهُ-: قيل: في تكفير ذنوب السنة التي بعدها هو أنه تعالى يحفظه من أن يُذنب فيها، وقيل: يُعطى من الرحمة والثواب ما يكون كفّارة للسنة الثانية إن اتَّفَقَ فيها ذنب. انتهى (٢).

وقال الحافظ وليّ الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقد يُسْتَشْكَل معنى مغفرة ما تأخر من الذنوب، وقد قال السرخسي من أصحابنا الشافعية: اختَلَف العلماء في معنى تكفير السنة المستقبلة فقال بعضهم: إذا ارتكب فيها معصية جعل الله تعالى صوم عرفة الماضي كفارة لها، كما جعله مكفِّراً لما قبله في السنة الماضية، وقال بعضهم: معناه أن الله تعالى يَعْصِمه في السنة المستقبلة عن ارتكاب ما يحوجه إلى كفارة، وأطلق الماورديّ في "الحاوي" في السنتين معاً تأويلين: أحدهما أن الله تعالى يغفر له ذنوب سنتين.

والثاني: أنه يعصمه في هاتين السنتين، فلا يعصي فيهما، وقال صاحب "العدّة" في تكفير السنة الأخرى: يَحْتَمِل معنيين:

أحدهما: المراد السنة التي قبل هذه، فيكون معناه أنه يكفر سنتين ماضيتين.

والثاني: أنه أراد سنة ماضية وسنة مستقبلة، قال: وهذا لا يوجد مثله في شيء من العبادات أنه يكفر الزمان المستقبل، وإنما ذلك خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بنص القرآن العزيز، ذكر ذلك كله النوويّ في "شرح المهذب". انتهى (٣).

(وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ، أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتى قَبْلَهُ")، والله


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ٥١.
(٢) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٥٨.
(٣) راجع: "طرح التثريب في شرح التقريب" ٤/ ١٥٦.