فرَوَى الترمذيّ عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُرِي بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)} [الكوثر: ١] يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)} [القدر: ١ - ٣] يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم بن الفضل الحرانيّ أحد رواته: فعددنا، فإذا هي ألف شهر، لا تنقص يوماً، ولا تزيد يوماً (١).
ورَوَى مالك في "الموطأ" أنه سَمِع مَن يَثِق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته، أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.
ورَوَى البيهقيّ في "سننه" عن مجاهد مرسلاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً من بني إسرائيل لَبِسَ السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعَجِب المسلمون من ذلك، فأنزل الله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)} [القدر: ١ - ٣] التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربيّ بعد ذكره حديث الترمذيّ الذي بدأنا به: وهذا لا يصحّ، والذي رَوَى مالك من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تقاصر أعمار أمته أصحّ منه، وأولى، ولذلك أدخله ليبيّن بذلك الفائدة فيه، ويدلّ على بطلان هذا الحديث. انتهى.
قال وليّ الدين: وفيه نظر؛ فإن البلاغ الذي ذكره مالك لا يُعْرَف له إسناد، قال ابن عبد البرّ: لا أعلم هذا الحديث يروى مسنداً، ولا مرسلًا من وجه من الوجوه إلا ما في "الموطأ"، وهو أحد الأربعة الأحاديث التي لا توجد في غير "الموطأ"، قال: وليس منها حديث منكرٌ، ولا ما يدفعه أصل،
(١) في سنده يوسف بن سعد قال الترمذيّ: رجل مجهول، ووثقه غيره، وضعفه الشيخ الألباني، وقال: ضعيف الإسناد، مضطرب، ومتنه منكر، انتهى.