لظنه أن ليلة القدر انقضى وقت طلبها، ورجع أيضًا من اعتكف معه تلك الليالي إلى بيوتهم، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ إِنَّهُ) - صلى الله عليه وسلم - (أقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ) أي: اعتكف (فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا) أي: يرجع إلى مسكنه في صبيحتها، وهي الليلة العشرون من رمضان.
وفي رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة التالية:"فخرج صبيحة عشرين، فخطبنا"، وهي أصرح في المراد.
(فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَهُمْ بِمَا شَاءَ اللهُ) أي من الأمور الدينيّة، والتوجيهات النبويّة (ثُمَّ قَالَ:"إِنِّي كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ) أي التي في وسط الشهر (ثُمَّ بَدَا) أي ظهر (لِي) يعني أنه تبيّن له بالوحي أن الاعتكاف المطلوب في العشر الأواخر، لا في الأواسط، وفي رواية البخاريّ: "اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر الأُوَل من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان … " الحديث.
(أَنْ أجَاوِرَ هَذ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَبِتْ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا هو في أكثر النسخ: "فَلْيَبِتْ" من المبيت، وفي بعضها: "فَلْيَثْبُتْ"، من الثبوت، وفي بعضها: "فَلْيَلْبَثْ"، من اللَّبْث، وكله صحيح، وقوله في الرواية الثانية: "غير أنه قال: فليثبت"، هو في أكثر النسخ بالثاء المثلثة من الثبوت، وفي بعضها: "فليبت"، من المبيت. انتهى.
(فِي مُعْتَكَفِهِ) متعلّق بـ "يبت"، وهو بفتح الكاف، وهو موضع الاعتكاف (وَقَدْ رَأَيْتُ هَذ اللَّيْلَةَ) أي علمتها، بالوحي، وفي رواية للبخاريّ: "إني أريت ليلة القدر"؛ يعني أنه أراه الله تعالى في منامه تعيين تلك الليلة (فَأُنْسِيتُهَا) وفي البخاريّ: "فأُنسيتها، أو نُسِّيتها" بالشك. قال في "الفتح": شكٌّ من الراوي، هل أنساه غيره إياها، أو نسيها هو من غير واسطة؟ ومنهم من ضبط "نُسّيتها" بضم أوله، والتشديد، فهو بمعنى "أنسيتها"، والمراد أنه أُنسي علم تعيينها في تلك السنة. انتهى.
وسبب نسيانها هو ما يأتي من حديث عُبَادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: