للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة"، وقوله: "تلاحى": أي تخاصم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أي أُنسيت تعيينها في تلك السنة، ومثل هذا النسيان جائز عليه؛ إذ ليس بتبليغ حكم يجب العمل به، ولعل عدم تعيينها أبلغ في الحكمة، وأكمل في تحصيل المصلحة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "وعسى أن يكون خيرًا لكم"، رواه البخاريّ.

ووجه ذلك: أنَّها إذا لَمْ تعيّن، أو كانت متنقلة في العشر، حَرَص الناس على طلبها طول ليال العشر، فحصل لهم أجرها، وأجر قيام العشر كله، وهذا نحو مما جرى في تعيين الصلاة الوسطي، وساعة الجمعة، وساعة الليل، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(فَالْتَمِسُوهَا) أي: اطلبوها، واجتهدوا في إحيائها بالعمل المصالح.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ -: قوله: "فالتمسوها" أمر على جهة الإرشاد إلى وقتها، وترغيب في اغتنامها، فإنها ليلة عظيمة، تغفر فيها الذنوب، ويُطلع الله تعالى فيها من شاء من ملائكته على ما شاء من مقادير خليقته، على ما سبق به علمه، ولذلك عظّمها سبحانه بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)}، إلى آخر السورة، وبقوله: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦)} [الدخان: ١ - ٦].

ومعنى "يفرق": يُفْصَل ويبين، و"حكيم" مُحْكَم؛ أي: متقن. و"أمرًا": منصوب على القطع، ويصح بنزع الخافض؛ أي: يفرق بأمر، فلما أسقط الخافض تعدى الفعل فنصب.

قال: واختَلَف الناس اختلافًا كثيرًا في ليلة القدر: هل كانت مخصوصة بزمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو لا؟ فالجمهور: على أنَّها ليست مخصوصة.


(١) "المفهم" ٣/ ٢٥٢.