للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم اختلفوا: هل هي منتقلة في الأعوام، أو ليست منتقلة؟ ثم الذين قالوا: إنها ليست منتقلة اختلفوا في تعيينها، فمن معيّن ليلة النصف من شعبان، ومن قائل: هي ليلة النصف من رمضان، ومن قائل: هي ليلة سبع عشرة، ومن قائل: هي ليلة تسع عشرة، ثم ما من ليلة من ليالي العشر إلَّا وقد قال قائل: بأنها ليلة القدر، وقيل: هي آخر ليلة منه. وقيل: هي معيّنة عند الله تعالى غير معيّنة عندنا. وهذه الأقوال كلها للسَّلف وللعلماء. وسبب اختلافهم اختلاف الأحاديث كما ترى.

قال: والحاصل من مجموع الأحاديث، ومما استقر عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبها: أنَّها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها منتقلة فيه، وبهذا يجتمع شتات الأحاديث المختلفة الواردة في تعيينها، وهو قول مالك، والشافعي، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم على ما حكاه أبو الفضل عياض. فاعْتَمِدْ عليه، وتَمَسَّكْ به. انتهى (١).

(فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) أي: من رمضان، وقوله (في كُلِّ وِتْرٍ) بدل من الجارّ والمجرور قبله؛ أي في كلّ وتر من لياليه، وهي الليلة الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون.

(وَقَدْ رَأَيْتُنِي) بضمّ التاء للمتكلم، وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول، وهو المتكلّم، وهو من خصائص أفعال القلوب؛ أي رأيت نفسي (أَسْجُدُ) بالرفع في محلّ نصب على الحال (فِي مَاءٍ وَطِينٍ) أي عليهما، وذلك علامةٌ على أن تلك الليلة كانت ليلة القدر في تلك السنة.

وقوله أيضًا: (فِي مَاءٍ وَطِينٍ") المراد بذلك الأرض الرطبة، ولعلّ أصله في ماء وتراب، وسُمّي طينًا؛ لمخَالطته به مآلًا، وللإيماء إلى غلبة الماء عليه.

(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ) - رضي الله عنه - (مُطِرْنَا) بالبناء للمفعول، يقال: مَطَرت السماءُ تَمْطُرُ مَطَرًا، من باب طَلَبَ، فهي ماطرةٌ في الرحمة، وأمطرت بالألف أيضًا لغة، قال الأزهريّ: يقال: نَبَتَ الْبَقْلُ، وأنبتَ، كما يُقال: مَطَرَت السماء


(١) "المفهم" ٣/ ٢٥٠ - ٢٥١.