نفسه (قَالَ) الراوي (وَأَحْسَبُهُ قَالَ: غَغَطِيطِ الْبَكْرِ) - بفتح، فسكون -: هو الفَتِيّ من الإبل، وسبب هذا الغطيط: شدّة الوحي، كما قال اللَّه تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل: ٥]. وفي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها -، أنَّها قالت:"ولقد رأيته - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيُفصَم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقًا".
(قَالَ) يعلى (فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ) بضمّ أوله، وتشديد الراء مبنيّا للمفعول؛ أي: أزيل، وكُشف عنه - صلى الله عليه وسلم - ما اعتراه بسبب شدّة الوحي شيئًا بعد شيء (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَيْنَ السَّائِلُ عَن الْعُمْرَةِ؟) وفي رواية ابن جُريج: (فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عن العمرة آنِفًا؟ ") بالمدّ، والقصر، كَكَتِفٍ، وقرئ بهما قوله تعالى:{مَاذَا قَالَ آنِفًا}[محمد: ١٦] أي: مذ ساعة؛ أي: في أوّل وقت يقرُبُ منّا، قاله في "القاموس".
(اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ) وفي رواية ابن جريجٍ: "فالْتُمِس الرجل، فجيئ به، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أما الطيب، فاغسله ثلاث مرّات".
وفي رواية الشيخين:"فاغسله ثلاث مرّات". قال القاضي عياض وغيره: يحتمل أنه من لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيكون نصًّا في تكرار الغسل. ويحتمل أنه من كلام الصحابيّ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أعاد لفظ "اغسله" ثلاث مرّات على عادته أنه إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاث مرّات لتُفهم. انتهى.
وفي رواية للبخاريّ: قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرّات؟ فقال: نعم. قال الحافظ: القائل هو ابن جريجٍ، وهو دالّ على أنه فهم من السياق أن قوله:"ثلاث مرّات" من لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابيّ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أعاد لفظة "اغسله" مرّة، ثم مرّة على عادته أنه كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ لتُفهم عنه. نبّه عليه عياضٌ. انتهى.
وفي رواية أبي داود، والبيهقيّ:"أمره أن ينزعها نزعًا، ويغتسل مرّتين، أو ثلاثًا لا.
قال النوويّ: إنما أمره بالثلاث مبالغة في إزالة لونه، وريحه، والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرّة كفت، ولم تجب الزيادة، ولعلّ الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيّده قوله: "متضمّخٌ".