وبأن المأمور بغسله في قصّة يعلى إنما هو الْخَلُوق، لا مطلق الطيب، فلعلّ علّة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبتٌ النهي عن تزعفر الرجل مطلقًا، محرمًا، وغير محرم.
وتقدّم في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "ولا يلبس من الثياب شيئًا مسّه ورْسٌ أو زعفران". وفي حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "ولم يُنْهَ إلَّا عن الثياب المزعفرة"، والأصح ما ذهب إليه الجمهور، وسيأتي مزيد بسط في هذا قريبًا - إن شاء الله تعالى -.
٨ - (ومنها): أن من أصابه طيب في إحرامه، ناسيًا، أو جاهلًا، ثم علم، فبادر إلى إزالته، فلا كفّارة عليه، وهو المذهب الراجح. وسيأتي أيضًا بيان الخلاف في ذلك في محلّه - إن شاء اللَّه تعالى -.
٩ - (ومنها): أن من أحرم وهو لابس مخيطًا، كالجبة، والقميص، جهلًا، أو نسيانًا لزمه نزعه، وليس عليه تمزيقه، ولا شقّه، وأنه إذا نزعه من رأسه لا يلزمه دم، وعليه الجمهور، وهو الحقّ، وسيأتي بيان الخلاف في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف العلماء فيمن أحرم، وعليه جبّة، أو قميص، هل ينزعه، أو يشقّه؟:
ذهب الجمهور من فقهاء الأمصار إلى أنه ينزعه، ولا يشقّه، وهو قول عطاء، وطاوس، وبه قال مالك، وأصحابه، والشافعيّ، وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والثوريّ، وسائر فقهاء الأمصار، أصحاب الرأي والآثار.
وذهبت طائفة إلى أنه لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال، بل يشقّه؛ لأنه إذا فعل ذلك غطّى رأسه، وذلك لا يجوز.
وممن قال بذلك الحسن، والشعبيّ، والنخعيّ، وأبو قلابة، وسعيد بن جبير، على اختلاف عنه. وروي عن عليّ نحوه.
قال الحافظ أبو عمر - رَحِمَهُ اللهُ -: وحجّتهم ما رواه عبد الرزّاق، عن داود بن قيس، عن عبد الرَّحمن بن عطاء بن أبي لَبِيبة، أنه سمع ابني جابر بن عبد اللَّه،