يحدّثان عن أبيهما - رضي الله عنه - قال: بينما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ مع أصحابه شقّ قميصه، حتى خرج منه، فقيل له؟ فقال:"واعدتهم يقلّدون هدهي اليوم، فنسيت".
ورواه أسد بن موسي، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرَّحمن بن عطاء بن عبد الملك، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وزاد:"فلبست قميصي، ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي"، وكان بعث ببُدْنه، وأقام بالمدينة.
واحتجّ الجمهور بحديث يعلى بن أميّة - رضي الله عنه - المذكور في الباب، قال أبو عمر: ولا خلاف بين أهل الحديث أنه حديث صحيح، وحديث جابر الذي يرويه عبد الرَّحمن بن عطاء، وهو ضعيفٌ لا يُحتجّ به، وهو مردود أيضًا بحديث عائشة - رضي الله عنها -، أنَّها قالت:"كنت أفتل قلائد هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقلّده، ويبعث به، ولا يحرم عليه شيء، أحلّه اللَّه له، حتى ينحر الهدي"، متّفقٌ عليه.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الصواب ما قاله الجمهور، من أن من أحرم جاهلًا، أو ناسيًا بقميص، أو جبة، أو نحوهما عليه نزعه، نزعًا معتادًا، ولا يشقّه، ولا يخرقه؛ لحديث يعلى - رضي الله عنه - هذا، وأما ما احتجّ به المخالفون فمما لا يُلتفت إليه؛ لعدم صحته، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في خلاف العلماء في لزوم الفدية من لبس ناسيًا أو جاهلًا:
ذهب الأئمة: عطاء، والثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وداود - رحمهم اللَّه تعالى - إلى أن من لبس في إحرامه ما ليس له لبسه، كالقميص، والجبة، والقباء، ونحوها جاهلًا، أو ناسيًا، فبادر إلى نزعه، لا فدية عليه.
وذهب الإمام أبو حنيفة، والمزنيّ في رواية عنه إلى أنه يلزمه إذا غطّى رأسه متعمّدًا، أو ناسيًا يومًا إلى الليل، فإن كان أقلّ من ذلك، فعليه صدقة يتصدّق بها.
وذهب الإمام مالك إلى الفرق بين من بادر، فنزع، فلم يوجب عليه الفدية، وبين من تمادى وطال لبسه، فأوجبها عليه.