فتبيّن بهذا أنه لا يصحّ في إباحة تقديم الإحرام على المواقيت شيء.
والحاصل أنه ليس لمن قال بإباحة تقديم الإحرام على الميقات دليلٌ، لا من نصّ، ولا من إجماع، بل هي اجتهادات ممن فعله، تُعارض ما صحّ عن الشارع الحكيم تحديده، مع أنه قد ثبت إنكار غيرهم عليهم فعلهم ذلك، فلا يُعارض به ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ الحجة في فعله، وقوله، لا في فعل غيره، أو قوله.
فالقول الراجح هو ما ذهب إليه من قال بعدم جواز تقديم الإحرام على المواقيت المحدّدة، كإسحاق، والبخاريّ، وداود الظاهريّ، وابن حزم، كما تقدم، كما أنه لا يجوز تقديمه على المواقيت الزمانيّة بالإجماع، فكذا هذا، إذ لا فرق بينهما.
وما أحسن ما قال الشاطبيّ - رحمه الله - في كتابه "الاعتصام"، ومن قبله الهرويّ في "ذمّ الكلام" عن الزبير بن بكّار: قال: حدّثني ابن عُيينة، قال: سمعت مالك بن أنس، وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، من أين أُحرم؟ قال: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أريد أن أُحرم من المسجد، من عند القبر، قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: فأيّ فتنة في هذه؟ إنما هي أميالٌ أزيدها، قال: وأيّ فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إني سمعت الله يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣]. انتهى (١).
فالواجب على المسلم أن يحرص على موافقة حجه، وعمرته أمر الشارع الحكيم؛ ليقع على الوجه المطلوب شرعًا، ولا يخالف بعلّة أن فلانًا قال كذا، وأن فلانًا فعل؛ إذ الحجة هو الذي صحّ عمن قال الله تعالى في حقّه:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} الآية [النور: ٥٤]، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]، وقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية [الحشر: ٧]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ