للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بحجة عليها، ألا ترى أن ابن عمر - رضي الله عنهما - لما قال له عُبيد بن جريج: رأيتك تصنع أشياء لا يصنعها أحد من أصحابك، لم يستوحش من مفارقة أصحابه؛ إذ كان عنده في ذلك علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل له ابن جريج: الجماعة أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك، ولعلك وَهِمْتَ كما يقول اليوم مَن لا علم له، بل انقاد للحقّ إذ سمعه، وهكذا يلزم الجميع، وبالله التوفيق (١).

٦ - (ومنها): ما قاله - رحمه الله - أيضًا: وأما قوله في الحديث: "فقال ابن عمر: لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُهِلّ حتى تنبعث به راحلته"، فإن ابن عمر - رضي الله عنهما - قد جاء بحجة قاطعة، نَزَعَ بها، وأخذ بالعموم في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يخص مكة من غيرها، وقال: لا يُهِلّ الحاج إلا في وقت يتصل له عمله، وقصده إلى البيت، ومواضع المناسك والشعائر؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهلّ، واتصل له عمله، وقد تابع ابن عمر على إهلاله هذا في إهلال المكي من غير أهلها جماعة من أهل العلم، كما سيأتي تحقيقه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وقت الإهلال بالحجّ:

قال الإمام ابن قُدامة - رحمه الله -: المستحب أن يحرم عقب الصلاة، فإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها، وإلا صلى ركعتين تطوعًا، وأحرم عقيبهما، استَحَبّ ذلك عطاء، وطاوس، ومالك، والشافعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهما -.

وقد رُوي عن أحمد أن الإحرام عقب الصلاة، وإذا استوت به راحلته، وإذا بدأ بالسير سواء؛ لأن الجميع قد رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من طرق صحيحة، قال الأثرم: سألت أبا عبد الله: أيما أحب إليك: الاحرام في دبر الصلاة، أو إذا استوت به راحلته؟ فقال: كل ذلك قد جاء، في دبر الصلاة، وإذا علا البيداء، وإذا استوت به ناقته، فوَسَّع في ذلك كله.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ركب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - راحلته حتى استوت على البيداء أهلّ هو وأصحابه، وقال أنس - رضي الله عنه -: لَمّا ركب راحلته، واستوت به أهلّ،


(١) "التمهيد" لابن عبد البر ٢١/ ٧٥ - ٧٦.