(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك، وهل لوصفه بكونه عقورًا مفهوم، أم لا؟
فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: الكلب العقور: الأسد. وعن سفيان، عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور؟ فقال: وأيّ كلب أعقر من الحيّة؟ وقال زفر: المراد بالكلب العقور هنا: الذئب خاصّة، وقال مالك في "الموطأ": كل ما عَقَر الناس، وعدا عليهم، وأخافهم، مثل الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، هو العقور. وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان، وهو قول الجمهور.
وقال أبو حنيفة: المراد بالكلب هنا الكلب خاصّة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب.
واحتجّ أبو عبيد للجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم سلّط عليه كلبًا من كلابك"، فقتله الأسد، وهو حديث حسن، أخرجه الحاكم، من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه.
واحتجّ أيضًا بقوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية [المائدة: ٤]، فاشتقّها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكلّ جارح: عقور.
واحتَجّ الطحاويّ للحنفية بأن العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي، والصقر، وهما من سباع الطير، فدلّ ذلك على اختصاص التحريم بالغراب، والحدأة، وكذلك يختصّ التحريم بالكلب، وما شاركه في صفته، وهو الذئب.
وتُعُقّب بردّ الاتفاق، فمان مخالفيهم أجازوا قتل كلّ ما عدا، وافترس، فيدخل فيه الصقر، وغيره، بل معظمهم قال: ويلتحق بالخمس كل ما نُهِي عن أكله، إلا ما نُهي عن قتله.
واختُلِف في غير العقور، مما لم يؤمر باقتنائه، فصرّح بتحريم قتله القاضيان: حسين، والماوَرْدِيُّ، وغيرهما، ووقع في "الأم" للشافعيّ الجواز.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله الإمام مالك - رحمه الله -، وذهب إليه الجمهور من تفسير الكلب بكل ما عقر الناس. . . إلخ هو الأرجح؛ لقوّة حجته؛ والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): اتفق العلماء على جواز قتل هذه الخمسة المذكورة في هذا الحديث في الحلّ والحرم للمحرم، وغيره، إلا ما شذّ مما سنحكيه.