(أحدهما): أنه أراد ما بدأ المحرمَ، فعدا عليه في نفسه، أو ماله.
(والثاني): أنه أراد ما طبعه الأذى، والعدوان، وإن لم يوجد منه أذى في الحال، وكلام ابن حزم الظاهريّ يوافق ذلك أيضًا، وإن كان لا ينظر إلى المعنى، ولا يُعدّي بالقياس، لكنه اعتمد أن التحريم إنما ورد في الصيد، فلا يتعدى ذلك لغيره، وأجاب عن الاقتصار على هذه الخمس بما سيأتي ذكره بعدُ.
ونقل الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة" كون المعنى عند الشافعيّ منع الأكل بواسطة بعض الشارحين، وأراد به النوويّ، ثم قال: وهذا عندي فيه نظر، فإن جواز القتل غير جواز الاصطياد، وإنما يرى الشافعيّ جواز الاصطياد، وعدم وجوب الجزاء بالقتل لغير المأكول، وأما جواز الإقدام على قتل ما لا يؤكل، مِمَّا ليس فيه ضرر، فغير هذا. انتهى.
قال وليّ الدين: وفيه نظر، فقد حَكَى الربيع عن الشافعيّ أنه قال: لا شيء على المحرم في قتله من الطير كلّ ما لا يحلّ أكله، قال: وله أن يقتل من داوبّ الأرض، وهوامها كل ما لا يحلّ أكله. انتهى، فصرّح بأن له قتل ما لا يحلّ أكله من الطير، والهوامّ.
(الثاني مذهب المالكية): قالوا: المعنى في ذلك كونهنّ مؤذيات، فيلتحق بالمذكورات كلّ مؤذٍ.
قال ابن شاس في "الجواهر" - بعد أن قرر تحريم صيد المأكول وغيره -: ولا يُستَثْنَى من ذلك إلا ما تناوله الحديث، وهو هذه الخمس، قال: والمشهور أن الغراب، والحدأة يقتلان، وإن لم يبتدئا بالأذى، وروى أشهب المنع من ذلك، وقاله ابن القاسم، قال: إلا أن يؤذي، فيقتل إلا أنه إن قتلهما من غير أذى، فلا شيء عليه.
وقال أشهب: إن قتلهما من غير ضرر وداهما، واختُلِف أيضًا في قتل صغارهما ابتداء، وفي وجوب الجزاء بقتلهما، وأما غيرهما من الطير، فإن لم يؤذ فلا يقتل، فإن قتل ففيه الجزاء، وإن آذى فهل يقتل أم لا؟ قولان، وإذا قلنا: لا يقتل، فقتل، فقولان أيضًا: المشهور نفي وجوب الجزاء. وقال أشهب: عليه في الطير الفدية، وإن ابتدأت بالضرر، وقال أصبغ: من عدا عليه