شيء من سباع الطير، فقتله وداه بشاة، قال ابن حبيب: وهذا من أصبغ غلط، وحمل بعض المتأخرين قول أصبغ هذا على أنه كان قادرًا على الدفع بغير القتل، فأما لو تعيّن القتل في الدفع لا يختلف فيه.
وأما العقرب، والحيّة، والفأرة، فيقتلن حتى الصغير، وما لم يؤذ منها لأنه لا يؤمن منها الأذى، إلا أن تكون من الصغر بحيث لا يمكن منها الأذى، فيختلف في حكمها، وهل يلحق صغير غيرها من الحيوان المباح القتل لأذية بصغارها في جواز القتل ابتداء؟ فيه خلاف، والمشهور من المذهب أن المراد من الكلب العقور الكلب الوحشيّ، فيدخل فيه الأسد، والنمر، وما في معناهما، وقيل: المراد الكلب الإنسيّ المتخذ، وعلى المشهور يقتل صغير هذه، وما لم يؤذ من كبيرها. انتهى كلامه.
وذكر الشيخ تقيّ الدين أن المشهور عند المالكيّة قتل صغار الغراب، والحدأة، وشنّع عليهم ابن حزم الظاهريّ في تفرقتهم بين صغار الغربان، والحديا، وبين صغار السباع، والحيّات، وبين سباع الطير، وبين سباع ذوات الأربع، وقال: هلّا قاسوا سباع الطير على الحدأة، كما قاسوا سباع ذوات الأربع على الكلب العقور؟
وقوّى الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة" التعليل بالأذى على التعليل بحرمة الأكل، فقال:(واعلم): أن التعدية بمعنى الأذى إلى كلّ مؤذ قويّ بالإضافة إلى تصرّف القياسيين، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق، وهو الخروج عن الحدّ، وأما التعليل بحرمة الأكل، ففيه إبطال ما دلّ عليه إيماء النصّ، من التعليل بالفسق؛ لأن مقتضى العلة أن يتقيّد الحكم بها وجودًا وعدمًا، فإن لم يتقيّد وثبت الحكم عند عدمها بطل تأثيرها بخصوصها، وهو خلاف ما دلّ عليه ظاهر النصّ من التعليل بها. انتهى.
(الثالث مذهب الحنفية): اقتصروا على الخمس المذكورة في هذا الحديث إلا أنهم ضمّوا إليها الحية أيضًا، وهي منصوصة، كما تقدم، وضموا إليها الذئب أيضًا، قال صاحب "الهداية" منهم: وقد ذُكر الذئب في بعض الروايات. وقيل: المراد بالكلب العقور: الذئب، ويقال: إن الذئب في معناه. انتهى، وعلى هذا الأخير، فيقال: لم اقتصر في الإلحاق على الذئب، ولم لا