للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عامة الأذى، كما ذكرتم ناسب أن يكون ذلك سببًا لإباحة قتلها؛ لعموم ضررها، فهذا المعنى معدوم فيما لا يعمّ ضرره، مما لا يخالط في المنازل، ولا تدعو الحاجة إلى إباحة قتله، كما دعت إلى إباحة قتل ما يخالط من المؤذيات، فلا يلحق به.

وأجاب الأولون عن هذا بوجهين:

(أحدهما): أن الكلب العقور نادر، وقد أبيح قتله.

(والثاني): معارضة الندرة في غير هذه الأشياء بزيادة قوة الضرر، ألا ترى أن تأثير الفأرة بالنقب مثلًا، أو الحدأة بخطف شيء يسير، لا يساوي ما في الأسد، والفهد، من إتلاف النفس، فكان بإباحة القتل أولى. انتهى.

ولم يعرّج على ذكر الحديث الشامل لسائر السباع، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يقتل المحرم السبع العادي"، وقد تقدّم ذكره.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تقدم أنه ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه.

وقال ابن حزم: [فإن قيل]: فما وجه اقتصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الخمس؟

[قلنا]: ظاهر الخبر يدلّ على أنها محضوض على قتلهنّ، مندوب إليه، ويكون غيرهنّ مباحًا قتله أيضًا، وليس هذا الخبر مما يمتنع أن يكون غير تلك الخمس مأمورًا بقتله أيضًا؛ كالوزغ، والأفاعي، والحيات، والرتيلاء، والثعابين، وقد يكون - صلى الله عليه وسلم - تقدّم بيانه في هذه، فأغنى عن إعادتها عند ذكره هذه الخمس. انتهى كلام ابن حزم رَحِمَهُ اللهُ، وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ في "شرحه": وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعيّ، وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص، أو رجم بالزنا، أو قتل في المحاربة، وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كلّ الحدود فيه، سواء كان موجبُ القتل والحدّ جرى في الحرم، أو خارجه، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم، وهذا مذهب مالك، والشافعيّ، وآخرين.

وقال أبو حنيفة، وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه،