"فأطعم"، قال: ما أجد، قال:"صم"، ولهذا قال أبو عوانة في "صحيحه": فيه دليل على أن من وجد نسكًا لا يصوم. يعني ولا يطعم.
قال: لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء، إلا ما رواه الطبريّ، وغيره، عن سعيد بن جبير، قال: النسك شاة، فإن لم يجد قُوّمت الشاة دراهم، والدراهم طعامًا، فتصدّق به، أو صام لكلّ نصف صاع يومًا، أخرجه من طريق الأعمش عنه، قال: فذكرته لإبراهيم، فقال: سمعت علقمة مثله، فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه:
(منها): ما قال ابن عبد البرّ رَحِمَهُ اللهُ: إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه.
(ومنها): ما قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: ليس المراد أن الصيام، أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقدي الهدي، بل المراد أنه استخبره: هل معه هدي، أم لا؟ فإن كان واجده أعلمه أنه مخيّر بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخيّر بينهما.
ومحصّله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه؛ لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم.
(ومنها): ما قال غيرهما: يحتمل أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى، أفتاه بأن يكفّر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم -، أو بوحي غير متلوّ، فلما أعلمه أنه لا يجد، نزلت الآية بالتخيير بين الذبح، والإطعام، والصيام، فخيّره حينئذ بين الصيام، والإطعام؛ لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام؛ لكونه لم يكن معه ما يطعمه.
ويوضّح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور، حيث قال:"أتجد شاة؟ "، قلت: لا، فنزلت هذه الآية:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ}[البقرة: ١٩٦]، فقال:"صم ثلاثة أيام، أو أطعم"، وفي رواية عطاء الخراسانيّ قال:"صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين"، قال:"وكان قد عَلِم أنه ليس عندي ما أنسك به"، ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظيّ، عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السرّ فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاهًا بذلك كان