للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير رحمه الله: الوقصُ: كسرُ العنق، وقصتُ عنقَهُ أَقِصُها وَقْصًا، ووقَصَت به راحلته، كقولك: خُذ الخطامَ، وخذ بالخطام، ولا يقال: وَقَصَتِ العنقُ نفسُهَا، ولكن يقال: وُقِصَ الرجلُ، فهو موقوصٌ. انتهى (١).

(فَمَاتَ، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) فيه دليلٌ على وجوب غسل الميت، وفيه جواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يُعدّ طيبًا، وحَكَى المزنيّ عن الشافعيّ أنه استدلّ على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث، لقوله فيه: "واغسلوه بماء وسدر"، والله أعلم، قاله في "الفتح".

(وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ) أي: إزاره ورداءه اللذين لبسهما في الإحرام، وهذا نصّ في أن كفن المحرم ثوباه اللذان أحرم بهما، ولا يزاد عليهما غيرهما.

وفي رواية أخرى: "في ثوبين" بدون الضمير، قال القاضي عياض: والأولى أكثر الروايات، قال القرطبيّ: فعلى الرواية الأولى يحتجّ الشافعيّ على بقاء حكم إحرامه، كما سيأتي؛ لأنه أمر أن يكفّن في ثيابه التي كانت عليه، والرواية الثانية يَحْتَمِل أن تُحْمَل على الأولى، ويَحْتَمِل أن يريد: زيدوا على ثوبه الذي أحرم فيه ثوبين، ليكون كفنه وترًا، والأول أولى لأن إحدى الروايتين مفسِّرة للأخرى.

وقال المحبّ الطبريّ: رحمه الله في "أحكامه": إنما لم يزده ثوبًا ثالثًا، تكرمةً له، كما في الشهيد، حيث قال: "زمّلوهم بدمائهم". انتهى.

وقال في "الفتح": يَحْتَمِل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه؛ لكونه مات فيهما، وهو متلبّس بتلك العبادة الفاضلة، ويَحْتَمِل أنه لم يجد له غيرهما. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الظاهر، كما بيّنه المحبّ الطبريّ، ورجّحه القرطبيّ رحمهما الله تعالى، والله تعالى أعلم.

(وَلَا تُخَمِّرُوا) بالتشديد، من التخمير؛ أي: لا تغطّوا، ولا تستروا (رَأسَهُ) في النهي عن تخمير رأسه دليلٌ على بقاء إحرامه، وكذا في المنع عن التحنيط، وأصرح من ذلك ما ذكره بالفاء التعليليّة، حيث قال: (فَكان اللهَ يَبْعَثُهُ) أي:


(١) "النهاية" ٥/ ٢١٤.