للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكرهت طائفة من أصحاب الحديث أن يُخَمِّرَ وجهَهُ، وأن يُخَمَّر وجهُ المحرم الميت. وحُجَّةُ هؤلاء حديثُ ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: "ولا تخمِّروا وجهه ورأسه … ".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما عزاه إلى أصحاب الحديث هو الحقّ، لصحة الحديث بذلك كما سيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" عند قول البخاريّ: "باب الحنوط للميت": أي: غير المحرم، وأورد حديث ابن عباس المذكور في الباب، قال: وشاهدُ الترجمة قوله: "ولا تحنّطوه"، ثم علّل بأنه يُبعث ملبيًا، فدلّ على أن سبب النهي أنه كان محرمًا، فإذا انتفت العلّة انتفى النهي، وكأن الحنوط للميت كان مقرّرًا عندهم، وكذا قوله: "ولا تخمّروا رأسه"؛ أي: لا تُغَطُّوه.

قال البيهقي رحمه الله: فيه دليل على أن غير المحرم يُحنّط، كما يُخمّر رأسه، وأن النهي إنما وقع لأجل الإحرام، خلافًا لمن قال من المالكيّة وغيرهم: إن الإحرام ينقطع بالموت، فيُصنع بالميت ما يُصنع بالحيّ. قال ابن دقيق العيد: رحمه الله: وهو مقتضى القياس، لكن الحديث بعد أن ثبت يقدّم على القياس، وقد قال بعض المالكية: إثبات الحنوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم، ولكنها واقعة حال، يتطرّق الاحتمال إلى منطوقها، فلا يستدلّ بمفهومها.

وقال بعض الحنفية: هذا الحديث ليس عامًّا بلفظه؛ لأنه في شخص معيّن، ولا بمعناه؛ لأنه لم يقل: يبعث ملبيًا لأنه محرم، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل.

وقال ابن بزيزة: وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا مخصوص بذلك الرجل؛ لأن إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأنه يُبعث ملبيًا شهادة بأن حجه قُبل، وذلك غير محقّق لغيره.

وتعقّبه ابن دقيق العيد بأن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام، فتعمّ كلّ محرم، وأما القبول وعدمه فأمر مغيّب.

واعتلّ بعضهم بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)}