للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ظاهره، ويتأوَّل قولها: "لبّينا بالحج"؛ على أن ذلك كان إحرام أكثر الناس؛ لأنه لما أحرم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالحج اقتدى به كثير الناس في ذلك، وأما هي فإنما أحرمت بعمرة كما نصَّت عليه، وناهيك من قولها: "ولم أهلّ إلا بعمرة".

وقولها: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نرى إلا أنه الحج"؛ يمكن أن يقال: كان ذلك منها، ومنهم قبل أن يخبرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أنواع الإحرام، ويبيّنها لهم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِل بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ) قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالقرآن، فيكون قاله لهم عند إحرامهم، ويَحْتَمِل أن يكون قال ذلك لمن قد كان أحرم بالعمرة، فيكون ذلك أمرًا بالإرداف. انتهى (١).

وقال القاضي عياض رحمه الله: الذي تدلّ عليه نصوص الأحاديث في "صحيحي البخاريّ ومسلم" وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما أن النبيّ رحمه الله إنما قال لهم هذا القول - يعني قوله: من كان معه هدي … إلخ - بعد إحرامهم بالحجّ، وفي منتهى سفرهم ودُنُوّهم من مكة بسَرِف كما جاء في رواية عائشة، أو بعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما جاء في رواية جابر، ويَحْتَمِل تكريره الأمر بذلك مرتين في موضعين، وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة. انتهى (٢).

(ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا") لأنه ممنوع التحلل حتى يبلغ الهدي محله، قال القرطبيّ رحمه الله: هذا بيان حكم القارن، فإنه لا يحل إلا بفراغه من طواف الإفاضة، ويجزئه لهما عمل واحد عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة؛ إذ يقول: يعمل لهما عملين. وسيأتي قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"، وهو نصٌّ في الردّ عليه، وكذلك قولها: فأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة؛ فإنما طافوا طوافًا واحدًا. انتهى.

وقال النوويّ رحمه الله: هذه الرواية مفسّرة للمحذوف من الرواية التي احتجّ بها أبو حنيفة، وأحمد، وموافقوهما - يعني قوله: "ومن أحرم بعمرة، وأهدى


(١) "المفهم" ٣/ ٢٩٩.
(٢) "إكمال المعلم" ٤/ ٢٣٧.