للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْقُضِي رَأسَكِ) بضم القاف؛ أي: حُلِّي شعره (وَامْتَشِطِي) أي: سرّحي شعرك بالْمُشْط (وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) أي: مدخلةً له على العمرة، وحينئذ فتصير قارنةً بعد أن كانت متمتعة، وهو جائز بالإجماع، إذا كان قبل الطواف، وإنما فعلت ذلك؛ لأنه تعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها للحيض الطارئ المانع لها من الطواف، قاله وليّ الدين رحمه الله (١).

(وَدَعِي الْعُمْرَةَ") أي: اتركي أعمالها؛ لدخولها في عمل الحجّ، حيث كانت قارنة.

وقال القرطبيّ رحمه الله: ظاهر هذا: أنه أمرها بأن تَرْفِض عمرتها، وتخرج منها قبل تمامها. وبهذا الظاهر قال الكوفيون في المرأة تحيض قبل الطواف، وتخشى فوت الحج: أنها ترفض العمرة.

وقال الجمهور: إنها تُرْدِف الحج، وتكون قارنة، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأبو ثور. وقد حمل هذا أصحابنا: على أنه - صلى الله عليه وسلم -. أمرها بالإرداف، لا بنقض العمرة؛ لأن الحج والعمرة لا يتأتى الخروج منهما شرعًا إلا بإتمامهما؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، واعتذروا عن هذه الألفاظ بتأويلات:

(أحدها): أنها كانت مضطرة إلى ذلك، فرخص لها فيها كما رخص لكعب بن عجرة - رضي الله عنه -.

(وثانيها): أن ذلك خاص بها، ولذلك قال مالك: حديث عروة عن عائشة ليس عليه العمل عندنا، قديمًا ولا حديثًا.

(وثالثها): أن المراد بالنقض والامتشاط: تسريح الشعر لغسل الإهلال بالحج، ولعلها كانت لبَّدت، ولا يتأتى إيصال الماء إلى البشرة مع التلبيد إلا بحل الضفر وتسريح الشعر، ويتايد بما في حديث جابر - رضي الله عنه -: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "فاغتسلي، ثم أهلي بالحج". وقد تركنا من التأويلات ما فيه بُعد، واكتفينا بما ذكرناه؛ لأنه أوفقها، والله تعالى أعلم.


(١) "طرح التثريب" ٥/ ٣٣ - ٣٤.