للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: فأما قوله: "ودعي العمرة"؛ فمحمول على ترك عملها، لا على رفضها، والخروج منها؛ بدليل قوله في الرواية الأخرى: "وأمسكي" مكان "ودعي"، وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لها: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"؛ وهذا نصٌّ على أن حكم عمرتها باقٍ عليها. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو بحث نفيسٌ.

وخلاصة القول في المسألة أن الجمهور ذهبوا إلى أن معنى الحديث: أنه أمرها أن تترك أعمال العمرة، من الطواف، والسعي، والتقصير، وأن تُدخل الحج على العمرة، فتكون قارنة، وليس المراد بترك العمرة إبطالها جملة، وإنما المراد ترك أعمالها، وإرداف الحج عليها، حتى تفسير قارنة، وتندرج أفعال العمرة في أفعال الحجّ.

وذهب الحنفية إلى أن معنى الحديث: أنه أمرها بأن تخرج من إحرام العمرة، وتتركها باستباحة المحظورات من التمشيط، وغيره؛ لعدم القدرة على الإتيان بأفعالها بسبب الحيض.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور، إذ لا يلزم من التمشيط وغيره الخروج من الإحرام، وإبطال العمرة.

قال النوويّ: ولا يلزم منه إبطال العمرة؛ لأن نقض الشعر، والامتشاط جائزان في الإحرام على الراجح، بحيث لا ينتف شعرًا.

ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذروة بأن كان في رأسها أذى، فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كون امتشاط عائشة للعذر يحتاج إلى دليل، والظاهر أنه يجوز بدون عذر، والله تعالى أعلم.

وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالْمُشْط، بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل لإحرامها بالحجّ، لا سيما إن كانت لبّدت رأسها كما هو السنّة، وكما فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يصحّ غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع


(١) "المفهم" ٣/ ٣٠١.