للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(القول الثامن): أنه لبّى بالحجّ والعمرة معًا (١)، وكان قارنًا من أول الأمر، وحقّق هذا القول ابن الهمام في "شرح الهداية"، وابن القيّم في "الهدي"، وأجابا عن كلّ ما خالفه، قال ابن القيّم: والصواب أنه أحرم بالحجّ والعمرة معًا من حيث أنشأ الإحرام، ولم يحلّ حتى حلّ منهما جميعًا، كما دلّت عليه النصوص المستفيضة التي تواترت تواترًا يعلمه أهل الحديث. انتهى، وإليه مال ابن حزم في كتابه "حجة الوداع"، وتأوّل باقي الأحاديث إليه، كما حكاه النوويّ، والوليّ العراقيّ.

وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في كتابه "حجة الوداع"، ما مختصره:

لما اختلفت الرواية عن الصحابة، فقال بعضهم: أفرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجّ، وقال بعضهم: تمتع - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعضهم قرن - صلى الله عليه وسلم - بين حج وعمرة، كان هذا تنازعًا يجب رده إلى الله تعالى، وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بنص القرآن، فلما فعلنا ذلك وجدناه - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بينهم، ونص بكلامه الذي ليس موقوفًا على غيره أنه كان قارنًا، كما ذكر عنه البراء بن عازب، إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكني سقت الهدي، وقَرَنْتُ"، وكما ذكر أنس - رضي الله عنه - أنه سمعه يقول: "لبيك عمرة وحجًّا، لبيك عمرةً وحجًّا"، وكما ذكر عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه سمعه - صلى الله عليه وسلم - يلبي بهما معًا، وكما ذكرت حفصة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها قررته - صلى الله عليه وسلم - على أنه معتمر بعمرة لم يحل منها، فلم ينكر - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليها، بل صدقها، وأجابها أنه مع ذلك حاجّ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يُقِرّ على باطل يسمعه أصلًا، بل ينكره، لا بدّ من ذلك، فصح بما ذكرنا قرانه - صلى الله عليه وسلم - يقينًا.

وليس في كل ما رُوي ما يَتَعَلّق به مَن ظَنّ أنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: لبيك بحج مفرد، ولا أحد قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن نفسه، فقال: أفردت الحجّ، ولا رُوي ذلك أيضًا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لبيك بعمرة مفردة، ولا أنه قال: إني تمتعت، وهو بلا شكّ أعلم بنفسه، فلما ذَكَرَ - صلى الله عليه وسلم - أنه قَرَنَ، وسُمِع يلبي بحج وعمرة صحّ أنه قارن يقينًا. فهؤلاء أربعةٌ عدولٌ من أئمة الصحابة - رضي الله عنهم - يشهدون أنهم سمعوه - صلى الله عليه وسلم -


(١) هذا القول هو الحقّ الموافق، كما سيأتي تحقيقه، فتنبّه.