يُخبر عن نفسه بأنه قارنٌ، وكان هذا أولى عند كل ذي فهم من حكاية صاحب لم ينسبها إلى أنه سمعه من فيه - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قيل: إن ابن عمر ذكر أنه سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لبيك بحجة"، قيل له: نعم، قد روينا ذلك، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إنه سمعه يقول في ذي الحليفة، ولعله سمعه - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك إذ أتم عمرته، ونهض إلى منى.
وقد يمكن أن يكون سمع ذكر الحجّ، ولم يسمع ذكر العمرة، ومن زاد ذكر العمرة أولى؛ لأنه زاد علمًا. ثم قال: فهذا وجه الرد إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قد لاح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وبالله تعالى التوفيق.
قال: أما من ذهب إلى إسقاط المتعارض من الروايات والأخذ بما لم يتعارض منها، فوجه علمه في هذا أن نقول: إن كل من رُوي عنه الإفراد قد اضطربت عنه الرواية، وروي عن جميعهم القران، وهم: عائشة، وجابر، وابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم -، ووجدنا أيضًا عمران بن الحصين، وعليّ بن أبي طالب قد روي عنهم التمتع، وروي عنهم القران، ووجدنا أم المؤمنين حفصة، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - تضطرب الرواية عنهم، ولا اختلفت عنهم في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، فننزل رواية كل من اضطُرِب عنه، ونرجع إلى رواية من لم يُضطرَب عنه، وليست إلا رواية من روى القران خاصة؛ كحفصة، والبراء، وأنس - رضي الله عنهم -.
هذا وجه العمل على قول من يرى إسقاط ما تعارض من الروايات، والأخذ بما لم يتعارض منها.
قال: وأما من ذهب إلى الأخذ بالزائد، وهو وجه يجب استعماله إذًا كانت الألفاظ كلها، أو الأفعال كلها منسوبة إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم تكن موقوفة على غيره من دونه، ولا تنازعًا ممن سواه - صلى الله عليه وسلم -، فوجه العمل في هذا أن نقول - وبالله تعالى التوفيق -: إنا وجدنا من روى الإفراد إنما اقتصر على ذكر الإهلال بالحج وحده، دون عمرة معه، ووجدنا من روى التمتع إنما اقتصر على ذكر الإهلال بعمرة وحدها، دون حج معها، ووجدنا من روى القران قد جمع الأمرين معًا، فزاد على ذكر الحج وحده عمرة، وزاد على من ذكر العمرة