وحدها حجًّا، وكانت هذه زيادة علم لم يذكرها الآخرون، وزيادة حفظ ونقل على كلتا الطائفتين المتقدمتين، وزيادةُ العدل مقبولةٌ، وواجب الأخذ بها، فوجب بهذا أيضًا أن يُصْدَر إلى رواية من روى القران، دون رواية من روى غير ذلك، وأيضًا فالذين رووا القران زادوا زيادة لا يحل لمسلم تركها، وهي أنهم حكموا أنهم سمعوا ذلك من لفظه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر ذلك غيرهم، فوجب ألا يُلْتَفَت إلى لفظ أحد بعد لفظه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى مختصر كلام ابن رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره ابن حزم رحمه الله في الجمع بين أحاديث الباب جمع نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ.
وحاصله أن الصواب والأرجح في حجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان قارنًا، وأهلّ بالقران أوّلَ ما أهلّ، ثم استمرّ على ذلك إلى أن تحلّل يوم النحر، والله تعالى أعلم.
وقد أجاد الإمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله في كتابه الممتع "زاد المعاد" حيث حقّق الموضوع بما لا يوجد عنده، ودونك نصّه، قال رحمه الله:
وإنما قلنا: إنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم قارنًا؛ لبضعة وعشرين حديثًا صحيحةً صريحةً في ذلك.
[أحدها]: ما أخرجاه في "الصحيحين" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحجّ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، وذكر الحديث.
[وثانيها]: ما أخرجاه في "الصحيحين" أيضًا عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث ابن عمر سواءً.
[وثالثها]: ما روى مسلم في "صحيحه" من حديث قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قرن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثم قال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.