ومراده بالتمتع هنا بالعمرة إلى الحج أحد نوعيه، وهو تمتّع القران، فإنه لغة القرآن والصحابة الذين شَهِدوا التنزيل والتأويل، شهدوا بذلك، ولهذا قال ابن عمر: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحجّ، فبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، وكذلك عائشة، وأيضًا - فإن الذي صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو متعة القران بلا شكّ، كما قطع به أحمد، ويدلّ على ذلك أن عمران بن حصين قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمتعنا معه، مُتَّفقٌ عليه، وهو الذي قال لمطرف: أحدثك حديثًا عسى الله أن ينفعك به، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات، وهو في "صحيح مسلم"، فأخبر عن قرانه بقوله:"تمتع"، وبقوله:"جمع بين حج وعمرة".
ويدلّ عليه أيضًا ما ثبت في "الصحيحين" عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة، فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهى عنه؟ قال عثمان: دَعْنَا منك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما أن رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعًا، هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاريّ: اختَلَف عليّ وعثمان بعسفان في المتعة، فقال عليّ: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فلما رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعًا.
وأخرج البخاريّ وحده من حديث مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليًّا، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى عليّ ذلك أهلّ بهما، لبيك بعمرة وحجة، وقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد.
فهذا يبيّن أن من جمع بينهما كان متمتعًا عندهم، وإن هذا هو الذي فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد وافقه عثمان على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، فإنه لما قال له: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهى عنه؟ لم يقل له: لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولولا أنه وافقه على ذلك لأنكره، ثم قصد عليّ إلى موافقة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء به في ذلك، وبيانِ أن فعله لم يُنسَخ، وأهلّ بهما جميعًا تقريرًا للاقتداء به، ومتابعته في القران، وإظهارًا لسنةٍ نَهَى عنها عثمان؛ متأولًا، وحينئذ فهذا دليل مستقلٌّ [تمام العشرين].
[الحادي والعشرون]: ما رواه مالك في "الموطأ" عن ابن شهاب، عن