عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه هدي، فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعًا".
ومعلوم أنه كان معه الهدي فهو أولى مَن بادر إلى ما أَمَرَ به، وقد دل عليه سائر الأحاديث التي ذكرناها، ونذكرها.
وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي، والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي، منهم عبد الله بن عباس، وجماعة، فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر به أصحابه، فإنه قرن، وساق الهدي، وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، فالواجب أن نفعل كما فَعَل، أو كما أمر، وهذا القول أصحّ من قول من حَرَّم فسخ الحج إلى العمرة (١).
[الثاني والعشرون]: ما أخرجاه في "الصحيحين" عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فبات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله وسبّح وكبّر، ثم أهلّ بحج وعمرة، وأهلّ الناس بهما، فلما قدمنا أَمَرَ الناس، فحلّوا حتى إذا كان يوم التروية أهلّوا بالحج.
وفي "الصحيحين" أيضًا عن بكر بن عبد الله المزنيّ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعًا، قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال: لبى بالحج وحده، فلقيت أنسًا، فحدثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدّوننا إلا صبيانًا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهلّ بهما: لبيك عمرة وحجًّا.
(١) كنت سابقًا رجّحت في "شرح النسائيّ " هذا القول الموجب للفسخ، ثم تبيّن في هذا الشرح ترجيح القول بالاستحباب دون الوجوب، كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله، كما سيأتي قريبًا - إن شاء الله تعالى -.