للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إليك والعمل"، وعن أنس - رضي الله عنه -: "لبيك حقًّا تَعَبُّدًا ورِقًّا قال القاضي: قال أكثر العلماء: المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبه قال مالك، والشافعيّ. انتهى (١).

(قَالَ جَابِرٌ - رضي الله عنه -: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ) أي: لسنا ننوي شيئًا من النيّات إلا نيّة الحجّ، قال السنديّ رحمهُ اللهُ: هذا في أول الأمر، وقت خروجهم من المدينة، وإلا فقد أحرم بعضهم بالعمرة، أو هو خبر عما كان عليه حال غالبهم، أو أن المقصد الأصليّ من الخروج كان الحجّ، وإن نوى بعض العمرة. انتهى.

وقوله: (ولَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ) تأكيد للحصر الذي قبله، قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: هذا يَحْتَمِل أن يُخْبِر به عن حالهم الأَوَّل قبل الإحرام، فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، كما تقدَّم، فلما كان عند الإحرام بيَّن لهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "من أراد أن يُهلّ بحج فليفعل، ومن أراد أن يُهلّ بعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهلّ بحج وعمرة فليفعل"، فارتفع ذلك الوهم الواقع بهم. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: فقول جابر - رضي الله عنه -: "لسنا ننوي إلا الحج … إلخ" مع قوله في الحديث الآخر قبلُ: "مهلّين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجّ مفرد يرُدّ كلّ ما خالفه من رواية: أن منهم من كان معتمرًا، أو متمتّعًا وقارنًا، وكيف وهو يقول: "لا نعرف العمرة"، وكذلك كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجّ حتى جاء الإسلام، ولذلك جعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَره كلها في أشهر الحجّ على الصحيح، وسيأتي هذا، وقد أثبتنا قبلُ ترتيب هذه الأخبار، وتأليف مختلفها، ومن خالف حديث جابر، ومن وافقه إنما هو إخبار من مآل الحال، واستقرار العمل، كما تقدّم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: حاصل ما قاله المحقّقون من الجمع بين قول جابر - رضي الله عنه -: "لسنا ننوي إلا الحجّ … إلخ"، وبين حديث عائشة - رضي الله عنها -: "فمنا


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٣) "إكمال المعلم" ٤/ ٢٧٠.