للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الموقف، والسعي، والنحر، والشعار: العلامة، يقال: أشعر الهدي: أعلمه بغرز حديدة في سنامه، من قولك: أشعرت؛ أي: أعلمت، وقال الكميت [من الطويل]:

نُقَتِّلُهُمْ جِيلًا فَجِيلًا تَرَاهُمُ … شَعَائِرَ قِرْبَانٍ بِهِمْ يُتَقَرَّبُ (١)

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمهُ اللهُ في "المفهم": و"الشعائر": المعالم التي للحجّ، جمع شعيرة، سُمّيت بذلك؛ لما تُشعِر به تلك المواضع من أعمال الحج؛ أي: تُعْلِم، أو لِما يستشعر هناك من تعظيم الله تعالى، والقيام بوظائفه، قال: والطواف بين الصفا والمروة ركن من أركان الحجّ والعمرة عند جمهور العلماء، ما خلا أبا حنيفة؛ فإنه لم يره فيهما واجبًا في الحج، وسيأتي استيفاء الكلام عليهما - إن شاء الله تعالى. انتهى (٢).

(أَبْدَأُ) بصيغة المتكلّم؛ أي: قال: أنا أبدًا، ووقع في بعض النسخ "ابدؤوا بما بدأ الله" بصيغة الأمر، وأشكّ في صحّتها؛ لأن هذه وقعت عند النسائيّ في رواية له، ولفظها: "فابدءوا بما بدأ الله به" (٣)، (بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ") أي: بذكره، وهو الصفا، يعني أنه يبتدئ السعي من الصفا؛ لأن الله تعالى ابتدأ بذكره، حيث قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية؛ لأن الترتيب الذكريّ له اعتبار في الأمر الشرعيّ، إما وجوبًا، وإما استحبابًا، وإن كانت الواو لمطلق الجمع.

وقال السنديّ رحمهُ اللهُ: هذا يفيد أن بداءة الله تعالى ذكرًا تقتضي البداءة عملًا، والظاهر أنه يقتضي ندب الابتداء عملًا، لا وجوبًا، والوجوب فيما نحن فيه من دليل آخر. انتهى (٤).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقوله: "أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصَّفا … إلخ": هكذا المشروعية المستحبة مهما أمكنت، ولذلك يمنع الابتداء بالمروة، فإن فعل أُلغي ذلك الشوط عند الجمهور، وقال عطاء: إن جهل ذلك أجزأه.


(١) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيّ ٢/ ١٧٩ - ١٨٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٢٧.
(٣) راجع: "المجتبى" برقم (٢٩٦٣).
(٤) "المرعاة" ٩/ ٨.