للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويكره الجلوس على الصفا والمروة، والدعاء عليهما كذلك، ويؤخذ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أبدأ بما بدأ الله به": أن الذي يقدَّم ليعطفَ عليه أوكد من المعطوف في مقصود المقدِّم بوجهٍ ما، كما يُفْهَم من قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} [الأحزاب: ٣٥]، ومن قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه: ٨٢]، فإن المعطوف عليه في هذه المواضع مقدَّم لمزية له على المعطوف، ومثل هذا كثير، وله موضع آخر يُعْرف فيه، ولا يُفْهَم منه أن الواو ترتب؛ لأنه إنما أخذه بالابتداء، لا بالترتيب، وقد تقدم القولُ على تحلُّلهم بعمل العمرة. انتهى (١).

وقول النوويّ رحمهُ اللهُ قوله: "أبدأ بما بدأ الله به … إلخ": في هذا اللفظ أنواع من المناسك:

[منها]: أن السعي يشترط فيه أن يُبدأ من الصفا، وبه قال الشافعيّ، ومالك، والجمهور، وقد ثبت في رواية النسائيّ في هذا الحديث بإسناد صحيح: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابدءوا بما بدأ الله به"، هكذا بصيغة الجمع.

[ومنها]: أنه ينبغي أن يَرقَى على الصفا والمروة، وفي هذا الرُّقِيّ خلاف، قال جمهور أصحابنا: هو سنة، ليس بشرط، ولا واجب، فلو تركه صحّ سعيه، لكن فاتته الفضيلة، وقال أبو حفص بن الوكيل من أصحابنا: لا يصحّ سعيه حتى يصعد على شيء من الصفا، والصواب الأول، قال أصحابنا: لكن يشترط أن لا يترك شيئًا من المسافة بين الصفا والمروة، فليُلْصِق عقبيه بدرج الصفا، وإذا وصل المروة ألصق أصابع رجليه بدرجها، وهكذا في المرات السبع يُشتَرط في كل مرة أن يُلصق عقبيه بما يبدأ منه، وأصابعه بما ينتهي إليه، قال أصحابنا: يُستحب أن يَرْقَى على الصفا والمروة حتى يرى البيت إن أمكنه.

[ومنها]: أنه يُسنّ أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور، ويدعو، ويكرّر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعة من أصحابنا: يكرر الذكر ثلاثًا، والدعاء


(١) "المفهم" ٣/ ٣٢٧ - ٣٢٨.