للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأن فيه بذلَ النفس، إلَّا أن الصبر على المحافظة على الصلوات، وأدائها في أوقاتها، والمحافظة على بِرّ الوالدين أمر لازم متكرر دائم، لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلَّا الصديقون.

٩ - (ومنها): ما قيل: الحكمة في تخصيص هذه الأشياء الثلاثة بالذكر، أن هذه الأشياء الثلاثة أفضل الأعمال بعد الإيمان؛ وأنها عنوان لغيرها من أنواع البرّ والطاعة، فمن حافظ عليها، حافظ على ما سواها، ومن ضيّعها كان لما سواها أضيع، فإنّ من ضيّع الصلاة التي هي عماد الدين مع العلم بفضيلتها كان لغيرها من أمر الدين أشدّ تضييعًا، وأشدّ تهاونًا واستخفافًا، وكذا من ترك برّ والديه مع علمه بكونهما أشدّ الناس حقوقًا عليه، كان لحقوق غيرهما من الناس أشدّ تركًا، وكذا من ترك الجهاد مع علمه بفضله، وقدرته عليه عند تعيّنه، فهو لغيره من الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله تعالى أشدّ تركًا، والله تعالى أعلم (١).

١٠ - (ومنها): ما قاله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: دلّ حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا على أن أفضل الأعمال، وأقربها إلى الله، وأحبها إليه الصلاة على مواقيتها المؤقّتة لها، وقد روي في هذا الحديث زيادة، وهي: "الصلاة على أول وقتها"، وقد خَرَّجها ابن خزيمة، وابن حبّان في "صحيحيهما"، والحاكم، والدارقطنيّ من طرق متعدّدة، ورُويت من حديث عثمان بن عمر، عن مالك بن مِغْول، ومن حديث عليّ بن حفص المدائنيّ، عن شعبة، ورُويت عن شعبة من وجه آخر، وفيه نظر، ورُويت من وجوه أُخر. واستُدل بذلك على أن الصلاة في أول الوقت أفضل كما استُدل بحديث أم فروة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه سُئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لأول وقتها"، خرّجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، وفي إسناده اضطراب، قاله الترمذيّ، والْعُقيليّ، وقد روي نحوه من حديث ابن عمر، إلَّا أن إسناده وَهَمٌ، وإنما هو حديث أم فروة، قاله الدارقطنيّ في "العلل"، وروي نحوه من حديث الشِّفَاء بنت عبد الله.

وفي قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة" على وقتها"، أو "على مواقيتها" دليل أيضًا


(١) راجع: "عمدة القاري" ٥/ ٢٠.