للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على فضل أول الوقت للصلاة؛ لأن "على" للظرفيّة، كقولهم: كان كذا على عهد فلان، والأفعال الواقعة في الأزمان المتّسعة عنها لا تستقرّ فيها، بل تقع في جزء منها، لكنها إذا وقعت في أول ذلك الوقت، فقد صار الوقت كلّه ظرفًا لها حكمًا، ولهذا يُسمّى المصلّي مصلّيًا في حال صلاته، وبعدها، إما حقيقةً، أو مجازًا على اختلاف في ذلك، وأما قبل الفعل في الوقت، فليس بمصلّ حقيقةً، ولا حكمًا، وإنما هو مصلّ بمعنى استباحة الصلاة فقط، فإذا صلّى في أول الوقت (١)، فإنه لَمْ يُسمّ مصليًا إلَّا في آخر الوقت.

وقوله: "ثم برّ الوالدين" لَمّا كان ابن مسعود - رضي الله عنه - له أمّ احتاج إلى ذكر برّ والديه بعد الصلاة؛ لأن الصلاة حقّ الله، وحقّ الوالدين متعقّب لحقّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - كما قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤].

وقوله: "ثم الجهاد في سبيل الله"؛ لأن الجهاد فرض كفاية، والدخول فيه بعد قيام من سَقَط به حقّ فرض الكفاية تطوّعٌ إذا لَمْ يتعيّن بحضور العدوّ، ولهذا تقدّم برّ الوالدين على الجهاد، إذا لَمْ يتعيّن، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمن أراد الجهاد معه: "ألك والدان؟ " قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"، رواه البخاريّ، وفي رواية: فأمره أن يرجع إليهما، رواه أبو داود.

فذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود - رضي الله عنه - أن أفضل الأعمال القيام بحقوق الله تعالى التي فرضها على عباده، وأفضلها الصلاة لوقتها، ثم القيام بحقوق عباده، وآكده برّ الوالدين، ثم التطوّع بأعمال البرّ، وأفضلها الجهاد في سبيل الله، وهذا مما يَستدلّ به الإمام أحمد، ومن وافقه على أن أفضل أعمال التطوّع الجهادُ. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (٢)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في إتمام البحث في اختلاف الروايات في أفضل الأعمال:

(اعلم): أنه قد تقدّم هذا البحث مستوفًى، ولكن رأيت لبعض المحقّقين


(١) هكذا النسخة "في أول الوقت" فليُنظر.
(٢) "شرح البخاريّ" للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى ٤/ ٢٠٨ - ٢١٠.