قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله صاحب "المرعاة" رحمهُ اللهُ تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، وحاصله أن حمل حديث جابر - رضي الله عنه - هذا على أن المراد به هو فسخ الحج إلى العمرة هو الصواب؛ لأنه صريح في ذلك، وأما ما عداه من التأويلات فضعيف؛ إذ يردّه سياق السؤال والجواب، فلا ينبغي حمل الحديث عليه، فتبصّر بالإنصاف، وقد تقدّم تحقيق ذلك بأدلّته في الباب الماضي، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.
(وَقَدِمَ عَلِيٌّ) أي: ابن أبي طالب - رضي الله عنه - (مِنَ الْيَمَنِ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان بعثه إليها، قال ابن إسحاق: حدّثني عبد الله بن أبي نَجِيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعث عليًّا إلى نجران، فلقيه بمكة، وقد أحرم، وفي رواية عطاء، عن جابر السابقة:"فقدم عليّ من سعايته"، وتقدم البحث فيها. (بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) بضمّ الموحّدة، وسكون الدال: جمع بدنة بفتحتين، وهي تقع على الجمل والناقة، وتطلق على البقرة أيضًا، وسُمّيت بذلك؛ لعظمها وسِمَنها.
ونُسبت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأن عليًّا - رضي الله عنه - اشتراها له، لا أنها من السعاية على الصدقة، كما يتبادر إلى الذهن، وكان عددها سبعًا وثلاثين بدنةً، وكان عدد الهدي الذي ساقه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معه من المدينة ثلاثًا وستين بدنةً، كما جاء في رواية الترمذيّ، وأعطى عليًّا البدن التي جاءت معه من اليمن، وهي تمام المائة، قال الزرقانيّ: ظاهر قوله: "قدم عليّ من اليمن ببدن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -" أن البدن للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية النسائيّ، وأحمد، وابن الجارود:"قدِم عليّ من اليمن بهدي، وساق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المدينة هديًا"، وظاهره أن الهدي كان لعليّ - رضي الله عنه -، فيَحْتَمل أن عليًّا قَدِمَ من اليمن بهدي لنفسه، وهدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر كلّ راو واحدًا منهما. انتهى، وسيأتي مزيد البحث في هذا عند ذكر نحر هذه البُدْن - إن شاء الله تعالى - (١).
(فَوَجَدَ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - مِمَّنْ حَلَّ) أي: من النساء اللاتي تحلّلن عن حجهنّ بأفعال المرأة حيث أمر - صلى الله عليه وسلم - بذلك كل من معه من الرجال والنساء، ممن لم يسق الهدي، وكانت فاطمة - رضي الله عنها - ممن لم يسقه (وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا) بفتح