للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البلد، بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال، وأن عقوبته بحسب ذلك، فيُراعي الحالتين. انتهى.

وقال الزرقانيّ: وفي تقديم اليوم على الشهر، وهو على البلد الترقّي، فالشهر أقوى من اليوم، وهو ظاهر في الشهر؛ لاشتماله على اليوم، فاحترامه أقوى من احترام جزئه، وأما زيادة حرمة البلد فلأنه محرم في جميع الشهور، لا في هذا الشهر وحده، فحرمته لا تختصّ به، فهو أقوى منه. انتهى.

وقال الحافظ: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة ضَرْبِ الْمَثَل، وَإِلْحَاق النَّظِير بِالنَّظِيرِ؛ لِيَكُونَ أَوْضَحَ لِلسَّامِع، وَإِنَّمَا شَبَّه حُرْمَة الدَّم وَالْعِرْض وَالْمَال بِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالشَّهْر وَالْبَلَد؛ لِأَنَّ المُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ تِلْكَ الْأَشْيَاء، وَلَا يَرَوْن هَتْكَ حُرْمَتِهَا، وَيَعِيبُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَدّ الْعَيْب. انتهى (١).

وقال في موضع آخر: ومناط التشبيه في قوله: "كحرمة يومكم" وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم، مُقَرّرًا عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض، فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يَرِدُ كون المشبه به أخفض رتبةً من المشبه؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع. انتهى (٢).

وقال التوربشتيّ: أراد أموال بعضكم على بعض، إنما ذكره مختصرًا؛ اكتفاء بعلم المخاطبين، حيث جعل "أموالكم" قريبة "دماءكم"، وإنما شبّه ذلك في التحريم بيوم عرفة، وبذي الحجة، وبالبلد؟ لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرّمة أشدّ تحريم، لا يستباح منها شيء، وفي تشبيهه هذا مع بيان حرمة الدماء والأموال تأكيدٌ لحرمة تلك الأشياء التي شُبّه بتحريمها الدماء والأموال. انتهى.

وقال الطيبيّ: هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به؛ لأنهم عالمون بحرمة الثلاث، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}


(١) "الفتح" ٥/ ٤٣٠.
(٢) "الفتح" ١/ ١٥٩.