للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآية [الأعراف: ١٧١] كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهليّة في غير الأشهر الحرم، ويحرّمونها فيها، كأنه قيل: إن دماءكم وأموالكم محرّمة عليكم أبدًا، كحرمة يومكم، وشهركم، وبلدكم، ثم أتبعه بما يؤكّده تعميمًا من قوله: "ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع". انتهى (١).

(أَلا) بالفتح، والتخفيف: أداة استفتاح وتنبيه (كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) يعني الذي أحدثوه، والشرائع التي شرعوها في الحج وغيره قبل الإسلام (تَحْتَ قَدَمَيَّ) بتشديد الياء بصيغة التثنية (مَوْضُوعٌ) أي: مردود وباطلٌ حتى صار كالشيء الموضوع تحت القدمين، قال في "اللمعات": يَحْتَمِل أن يكون قوله: "موضوع"، وقوله: "تحت قدميّ" خبرين، أو الخبر هو "موضوعٌ"، و"تحت" ظرف له، وهو الأظهر، والمراد بالوضع تحت القدم: إبطاله وتركه.

وقال القاري؛ أي: هو كالشيء الموضوع تحت القدم، وهو مجاز عن إبطاله، والمعنى: عفوت عن كل شيء فعله رجل قبل الإسلام، وتجافيت عنه، حتى صار كالشيء الموضوع تحت القدم، تقول العرب في الأمر الذي لا تكاد تراجعه وتذكره: جعلتُ ذلك دُبُر أذني، وتحت قدمي. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ بعد ذكر نحو ما تقدّم: وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ" (٣)، متّفقٌ عليه.

(وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ) أي: متروكة، لا قصاص ولا دية، ولا كفارة، أعادها للاهتمام، أو ليبني عليه ما بعده من الكلام، قاله القاري.

وقال وليّ الدين العراقيّ: يمكن أنه عطف خاصّ على عامّ؛ لاندراج دمائها في أمورها، ويمكن أنه لا يندرج لحمل أمورها على ما ابتدعوه وشرعوه، وإيجاب القصاص على القاتل ليس مما ابتدعوه، وإنما أريد قطع النزاع بإبطال ذلك؛ لأن منها ما هو حقّ، ومنها ما هو باطلٌ، وما يثبت، وما لا يثبت. انتهى (٤).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٩٦٤ - ١٩٦٥.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ٤٦٩.
(٣) "المفهم" ٣/ ٣٣٣.
(٤) راجع: "المرعاة" ٩/ ٢٢.