للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال وليّ الدين العراقيّ رحمهُ اللهُ: ظاهره أنها تعمّدت قتله، وذكر الزبير بن بكار أنه كان صغيرًا يحبو بين البيوت، فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبين ليث بن بكر، كذا ذكره عياض والنوويّ وغيرهما ساكتين عليه، وهو مناف لقوله: "فقتلته هُذيل"؛ لأنهم غير بني ليث؛ إذ هُذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، كما بيّنه أبو عبيد القاسم بن سلّام في "أنسابه"، كذا في "شرح المواهب"، ذكره في "المرعاة" (١).

(وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: معناه الزائد على رأس المال كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} الآية [البقرة: ٢٧٩]، وهذا الذي ذكرته إيضاح، وإلا فالمقصود مفهوم من نفس لفظ الحديث؛ لأن الربا هو الزيادة، فإذا وُضع الربا فمعناه وضع الزيادة، والمراد بالوضح الردّ والإبطال. انتهى (٢).

وقال وليّ الدين: ولا شك أن عطف هذا على أمر الجاهليّة من عطف الخاصّ على العامّ؛ لأنه من إحداثاتهم، وشرعهم الفاسد. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "وربا الجا هلية موضوع" الرِّبا: الزيادة، والكثرة لغةً، ثم إنهم كانت لهم بيوعات يسمُّونها: بيع الربا، منها: أنهم كانوا إذا حَلّ أجل الدَّين يقول الغريم لرب الدَّين: أنظرني وأزيدك، فيُنظره إلى وقت آخر على زيادة مقررة، فإذا حلّ ذلك الوقت الآخر قال له أيضًا كذلك، وربما يؤدي ذلك إلى استئصال مال الغريم بنذر يسير كان أخذه أوَّل مرة، فأبطل الله تعالى ذلك، وحرَّمه، وتوعَّد عليه بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ … } الآيات [البقرة: ٢٧٥ - ٢٨١]، وردّهم فيه إلى رؤوس أموالهم، وبلَّغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرآنًا وسنَّة، ووعظ الناس، وذكّرهم بذلك في ذلك الموطن مبالغة في التبليغ، وبدأ بربا العباس لخصوصيته بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليقتدي الناس به قولًا وفعلًا، فيضعون عن غرمائهم ما


(١) "المرعاة" ٩/ ٢٢ - ٢٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ١٨٣.
(٣) راجع: "المرعاة" ٩/ ٢٣.