للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما الجهاد في سبيل الله تعالى، فمرتبته في الدين عظيمة، والقياس يقتضي أنه أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل، فإن العبادات على قسمين: منها ما هو مقصود لنفسه، ومنها ما هو وسيلة إلى غيره، وفضيلة الوسيلة بحسب المتوسَّل إليه، فحيث تعظُم فضيلة المتوسَّل إليه تعظُم فضيلة الوسيلة، ولما كان الجهاد في سبيل الله وسيلة إلى إعلان الإيمان ونشره، وإخمال الكفر ودحضه، كانت فضيلة الجهاد بحسب فضيلة ذلك، والله أعلم.

انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى (١).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:

[فإن قيل]: فقد روي خلافُ ما يُفهم منه ما دلّ عليه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: سئل أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثمّ أيُّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثمّ أيّ؟ قال: "حجٌّ مبرور"، وفيهما أيضًا عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - أنه سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله"، ولم يذكر في هذين الحديثين الصلاة، ولا برّ الوالدين، ورويت نصوص أُخر بأن الجهاد أفضل الأعمال مطلقًا، ورُوي ما يدلّ على أن أفضل الأعمال ذكر الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وجاء ذلك صريحًا عن جماعة كثيرة من الصحابة - رضي الله عنهم -.

[قيل]: هذا مما أشكل فهمه على كثير من الناس، وذكروا في توجيهه، والجمع بين النصوص الواردة به وجوهًا غير مرضيّةً.

فمنهم من قال: أراد بقوله: أفضل الأعمال كلّها، أي أن ذلك من أفضل الأعمال، لا أنه أفضلها مطلقًا، وهذا في غاية البعد.

ومنهم من قال: أجاب كلّ سائل بحسب ما هو أفضل الأعمال له خاصّةً، كما خَصّ ابن مسعود - رضي الله عنه - ببرّ الوالدين لحاجته إليه، ولم يذكر ذلك لغيره، لكن أبو هريرة كانت له أم أيضًا.


= قال الصنعانيّ: وليس بواضح، ولا شكّ أن ترك العقوق برّ، وفقدان هذا المذكور من واجب البرّ، وليس هو كلّ ما يجب منه. انتهى.
(١) "إحكام الإحكام" بنسخة حاشية "العدّة" ٢/ ١١ - ١٥.