قال: وإن من المشاهدات التي يراها الحريص على دينه أن جماهير من الحجاج يكونون قد وفَّروا لحاهم بسبب إحرامهم، فإذا تحللوا منه، فبدل أن يحلقوا رؤوسهم كما ندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلقوا لحاهم التي أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بإعفائها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
٤ - (ومنها): تختم الرجال بالذهب، قال: لقد رأينا كثيرًا من الحجاج قد تزينوا بخاتم الذهب، ولدى البحث معهم في ذلك تبيّن أنهم على ثلاثة أنواع:
بعضهم لا يعلم تحريمه، ولذلك كان يسارع إلى نزعه بعد أن نذكر له شيئًا من النصوص المحرِّمة، كحديث:"نهى - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب"، مُتّفقٌ عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يده؟ "، رواه مسلم.
وبعضهم على علم بالتحريم، ولكنه متبع لهواه، فهذا لا حيلة لنا فيه إلا أن يهديه الله.
وبعضهم يعترف بالتحريم، ولكن يعتذر هو - كما يقال: عذر أقبح من ذنب - فيقول: إنه خاتم الخطبة، ولا يدري المسكين أنه بذلك يجمع بين معصيتين: مخالفة نهيه - صلى الله عليه وسلم - الصريح كما تقدم، وتشبهه بالكفار؛ لأن خاتم الخطبة لم يكن معروفًا عند المسلمين إلى ما قبل هذا العصر، ثم سرت هذه العادة إليهم من تقاليد النصارى (١).
٥ - (ومنها): التحذير من أن يدع الحاجّ البيات في منى ليلة عرفة، وكذا البيات في المزدلفة ليلة النحر، فذلك من هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما في البيات في المزدلفة حتى الصبح، فهو ركن من أركان الحجّ على الراجح من أقوال
(١) ذكر الشيخ الألبانيّ - رحمه الله - هنا مسألة فسخ الحج بعمل العمرة، لكني تركتها؛ لأنه تقدّم لي البحث عنها في المسألة الرابعة من مسائل حديث جابر - رحمه الله - الماضي برقم (١٧/ ٢٩٤٣)، والشيخ رأيه إيجاب الفسخ، وكنت رجّحت هذا في "شرح النسائيّ"، ثم ظهر لي هنا ترجيح الاستحباب، كما مذهب الإمام أحمد، وطائفة، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيميّة، فتنبّه.