أي: أعيى، وكَلَّ عن السير، ومنه قوله تعالى:{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك: ٤]، ووادي محسر موضع فاصل بين منى ومزدلفة، وليس من واحدة منهما، قال الأزرقيّ: وادي محسر خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعًا.
وأما منى: فبكسر الميم، ويجوز فيها الصرف وعدمه، والتذكير والتأنيث، والأجود الصرف، وجزم ابن قتيبة في "أدب الكاتب" بأنها لا تصرف، وجزم الجوهريّ في "الصحاح" بأن منى مذكَّر مصروف، وقال العلماء: سُمِّيت منى؛ لِمَا يُمْنى فيها من الدماء؛ أي: يراقُ ويُصَبُّ، هذا هو الصواب الذي جزم به الجمهور، من أهل اللغة، والتواريخ، وغيرهم، ونَقَل الأزرقيّ وغيره: أنها سميت بذلك؛ لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل؛ قال له: تَمَن، قال: أتمنى الجنة، وقيل: سُمِّيت بذلك، من قولهم: مَنَّى الله الشيءَ؛ أي: قَدَّره، فسميت منى لما جعل الله تعالى من الشعائر فيها، قال الجوهريّ: قال يونس: يقال: امتنى القومُ: إذا أتوا منى، وقال ابن الأعرابيّ: يقال: أمنى القوم: أَتَوْا منى.
[واعلم]: أن منى من الحرم، وهي شِعْبٌ ممدود بين جبلين: أحدهما ثَبِير، والآخر الصانع، قال الأزرقيّ، وأصحابنا في كتب المذهب: حَدُّ منى ما بين جمرة العقبة، ووادي محسر، وليست الجمرة، ولا وادي محسر من منى، قال البندنيجيّ، والأصحاب: ما أقبل على منى من الجبال، فهو منها، وما أدبر فليس منها، قال الأزرقيّ، وغيره: ذَرْعُ ما بين جمرة العقبة ومحسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع، قال الأزرقيّ: وعرض منى من مؤخر المسجد الذي يلي الجبال إلى الجبل بحذائه ألف ذراع وثلاثمائة ذراع، ومن جمرة العقبة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبع وثمانون ذراعًا ونصف ذراع، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن الجمرة التي تلي مسجد الخيف إلى أوسط أبواب المسجد ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعًا، والله أعلم.
[واعلم]: أن بين مكة ومنى مسافة فرسخ، هو ثلاثة أميال، ومن منى إلى مزدلفة فرسخ، ومن مزدلفة إلى عرفات فرسخ، وقال إمام الحرمين، والرافعيّ: بين مكة ومنى فرسخان، والصواب فرسخ فقط، كذا قاله الأزرقيّ، والمحققون في هذا الفن، والله أعلم.